الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَهُمَا لُغَةً شَيْءٌ وَاحِدٌ، سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ بِالْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ وَيُقَالُ السَّلَفُ لِلْقَرْضِ وَالسَّلَمُ شَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى) مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (مَوْصُوفٌ) بِمَا يَضْبِطُهُ (فِي ذِمَّةٍ) وَهِيَ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ الْمُكَلَّفُ أَهْلًا لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ (مُؤَجَّلٌ) أَيْ الْمَوْصُوفُ (بِثَمَنٍ) مُتَعَلِّقٍ بِ " عَقْدِ " (مَقْبُوضِ) ذَلِكَ الثَّمَنُ (بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ). وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَجَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَأَذِنَ فِيهِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ} وَهَذَا اللَّفْظُ يَصْلُحُ لِلسَّلَمِ وَيَشْمَلُهُ بِعُمُومِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْمُثَمَّنَ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ وَلِحَاجَةِ النَّاس إلَيْهِ (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (بِلَفْظِهِ) كَ أَسْلَمْتُك هَذَا الدِّينَارَ فِي كَذَا مِنْ الْقَمْحِ. (وَ) يَصِحُّ (بِلَفْظِ سَلَفٍ) ك أَسْلَفْتُكَ كَذَا فِي كَذَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقِيقَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا لِلْبَيْعِ الَّذِي عُجِّلَ ثَمَنُهُ وَأُجِّلَ مُثَمَّنُهُ. (وَ) يَصِحُّ بِلَفْظِ (بَيْعٍ) وَكُلُّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ (وَهُوَ) أَيْ السَّلَمُ (نَوْعٌ مِنْهُ) أَيْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إلَى أَجَلٍ فَشَمَلَهُ اسْمُهُ (بِشُرُوطٍ) - مُتَعَلِّقٌ ب " يَصِحُّ " - سَبْعَةٍ (أَحَدُهَا) كَوْنُ مُسْلَمٍ فِيهِ مِمَّا يُمْكِنُ (انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ)؛ لِأَنَّ مَا لَا تَنْضَبِطُ صِفَاتُهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُشَاقَّةِ وَعَدَمُهَا مَطْلُوبٌ شَرْعًا (كَمَوْزُونٍ) مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمٍ وَشَهْدٍ وَقُنَّبٍ وَكِبْرِيتٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْزُونُ (شَحْمًا) نِيئًا قِيلَ لِأَحْمَدَ: إنَّهُ يَخْتَلِفُ؟ قَالَ كُلُّ سَلَفٍ يَخْتَلِفُ (وَلَحْمًا نِيئًا وَلَوْ مَعَ عَظْمِهِ)؛ لِأَنَّهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ (إنْ عُيِّنَ مَحِلٌّ يُقْطَعُ مِنْهُ) كَظَهْرٍ وَفَخِذٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مَطْبُوخٍ وَمَشْوِيٍّ وَلَا فِي لَحْمٍ بِعَظْمِهِ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَحِلَّ قَطْعٍ لِاخْتِلَافِهِ (وَ) ك (مَكِيلٍ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ وَدُهْنٍ وَلَبَنٍ وَنَحْوِهَا (وَ) ك (مَذْرُوعٍ) كَثِيَابٍ وَخُيُوطٍ (وَ) ك (مَعْدُودٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَلَوْ آدَمِيًّا) كَعَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا. و(لَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي أَمَةٍ وَوَلَدِهَا) أَوْ أُخْتِهَا وَنَحْوِهِ لِنُدْرَةِ جَمْعِهِمَا فِي الصِّفَةِ. (وَ) فِي حَيَوَانٍ (حَامِلٍ) لِجَهْلِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فَلَا تَأْتِي الصِّفَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا شَاةٌ لَبُونٌ (وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي فَوَاكِهَ مَعْدُودَةٍ) كَرُمَّانٍ وَكُمِّثْرَى وَخَوْخٍ وَإِجَّاصٍ لِاخْتِلَافِهَا وَلَوْ أَسْلَمَ فِيهَا وَزْنًا بِخِلَافِ نَحْوِ عِنَبٍ وَرُطَبٍ (وَ) لَا فِي (بُقُولٍ) لِاخْتِلَافِهَا وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بِالْحَزْرِ. (وَ) لَا فِي (جُلُودٍ) لِاخْتِلَافِهَا صِغَرًا وَكِبَرًا وَلَا يُمْكِنُ ذَرْعُهَا لِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهَا. (وَ) لَا فِي (رُءُوسٍ وَأَكَارِعَ) أَكْثَرُهَا الْعِظَامُ وَالْمَشَافِرُ وَلَحْمُهَا قَلِيلٌ وَلَيْسَتْ مَوْزُونَةً. (وَ) لَا فِي (بَيْضٍ وَنَحْوِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَجَوْزٍ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ كِبَرًا وَصِغَرًا (وَ) لَا فِي (أَوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ رُءُوسًا وَأَوْسَاطًا كَقَمَاقِمَ) جَمْعُ قُمْقُمٍ بِضَمَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِهَا فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ رُءُوسُهَا وَأَوْسَاطِهَا صَحَّ السَّلَمُ فِيهَا. (وَلَا فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَجَوْهَرٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمِرْجَانٍ وَعَقِيقٍ وَنَحْوِهَا لِاخْتِلَافِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا صِغَرًا وَكِبَرًا، وَحُسْنَ تَدْوِيرٍ وَزِيَادَةَ ضَوْءٍ وَصَفَاءٍ. وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهَا بَيْضَ عُصْفُورٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ وَلَا شَيْءَ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ. (وَ) لَا فِي (مَغْشُوشِ أَثْمَانٍ)؛ لِأَنَّ غِشَّهُ يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ (أَوْ يَجْمَعُ أَخْلَاطًا) مَقْصُودَةً (غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَمَعَاجِينَ) مُبَاحَةٍ. (وَ) لَا فِي (نِدٍّ وَغَالِيَةٍ) لِعَدَمِ ضَبْطِهِمَا بِالصِّفَةِ (وَ) لَا فِي (قِسِيٍّ وَنَحْوِهَا) مِمَّا يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ قَدْرِ كُلٍّ مِنْهَا وَلَا تَمْيِيزُ مَا فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا) أَيْ شَيْءٍ (فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَجُبْنٍ) فِيهِ نَفْحَةٌ (وَ) ك (خُبْزٍ) وَعَجِينٍ فِيهِ مَاءٌ وَمِلْحٍ (وَ) ك (خَلٍّ تَمْرٍ) وَزَبِيبٍ فِيهِ مَاءٌ (وَ) ك (سَكَنْجَبِينَ) وَهُوَ مَا يُجْمَعُ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ فِيهِ خَلٌّ (وَنَحْوِهَا) كَشَيْرَجٍ فِيهِ مِلْحٌ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ يَسِيرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْمُعَارَضَةِ لِمَصْلَحَةِ الْمَخْلُوطِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ (وَ) يَصِحُّ (فِيمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً كَثَوْبٍ) نُسِجَ (مِنْ نَوْعَيْنِ) كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ أَوْ إبْرَيْسَمٍ وَقُطْنٍ. (وَ) ك (نُشَّابِ وَنَبْلِ مُرَيَّشَيْنِ وَخِفَافٍ وَرِمَاحِ وَنَحْوهَا)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِصِفَاتٍ لَا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهَا مَعَهَا غَالِبًا (وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي أَثْمَانٍ) خَالِصَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَتَثْبُتُ سَلَمًا كَعُرُوضٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَغْشُوشَةٍ (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهَا) أَيْ الْأَثْمَانِ كَثَوْبٍ وَفَرَسٍ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَا يَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا فُلُوسًا لِمَا يَأْتِي. (وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي فُلُوسٍ) وَلَوْ نَافِقَةً وَزْنًا وَعَدَدًا عَلَى مَا فِي الْإِقْنَاعِ (وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا عَرَضًا) لَا نَقْدًا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنَّقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ (وَ) يَصِحُّ (فِي عَرَضٍ بِعِوَضٍ) كَتَمْرٍ فِي فَرَسٍ وَحِمَارٍ فِي حِمَارٍ. و(لَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَرَأْسُ مَالِهِ (رِبًا فِيهِمَا) أَيْ فِي إسْلَامِ عَرْضٍ فِي فُلُوسٍ وَعَرْضٍ فِي عَرْضٍ فَلَوْ أَسْلَمَ فِي فُلُوسٍ وَزْنِيَّةٍ نُحَاسًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ فِي تَمْرٍ بُرًّا وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ نَسِيئَةً (وَإِنْ جَاءَهُ) أَيْ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ لِعَرْضٍ فِي عَرْضٍ (بِعَيْنِهِ) أَيْ عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ (عِنْدَ مَحَلِّهِ) أَيْ السَّلَمِ كَمَنْ أَسْلَمَ عَبْدًا صَغِيرًا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا، فَجَاءَهُ بِعَيْنِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْحُلُولِ وَقَدْ كَبِرَ وَاتَّصَفَ بِصِفَاتِ السَّلَمِ (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ (قَبُولُهُ) لِاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءَهُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا عِوَضٌ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةٌ كَمَنْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ إلَى أَمَدٍ تَكْبَرُ فِيهِ بِصِفَاتِ الصَّغِيرَةِ اسْتَمْتَعَ بِهَا وَيَرُدُّهَا عِنْدَ الْأَمَدِ بِلَا عِوَضِ وَطْءٍ فَلَا يَصِحُّ.
تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي السُّكَّرِ وَالْفَانِيذَ وَالدُّبْسِ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَسَّتْهُ نَارٌ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّارِ فِيهِ مَعْلُومٌ عَادَةً يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالنُّشَافِ وَالرُّطُوبَةِ أَشَبَهَ الْمُجَفَّفَ بِالشَّمْسِ. الشَّرْطُ (الثَّانِي ذِكْرُ مَا يُخْتَلَفُ بِهِ) مِنْ صِفَاتِ (ثَمَنِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (غَالِبًا)؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَالثَّمَنِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ النَّادِرَ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ (كَنَوْعِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِذِكْرِ جِنْسِهِ. (وَ) ذِكْرُ (مَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَهُ) أَيْ النَّوْعِ فَفِي نَحْوِ بُرْتُقَالٍ صَعِيدِيٍّ أَوْ بُحَيْرِيٍّ بِمِصْرَ وَحُورَانِيٍّ أَوْ شَمَالِيٍّ بِالشَّامِ (وَ) ذِكْرُ (قَدْرِ حَبٍّ) كَصِغَارِ حَبٍّ أَوْ كِبَارٍ، مُتَطَاوَلِ الْحَبِّ أَوْ مُدَوَّرِهِ. (وَ) ذِكْرُ (لَوْنٍ) كَأَحْمَرَ أَوْ أَبْيَضَ (إنْ اخْتَلَفَ) ثَمَنُهُ بِذَلِكَ لِيَتَمَيَّزَ بِالْوَصْفِ. (وَ) ذِكْرُ (بَلَدِهِ) أَيْ الْحَبِّ فَيَقُولُ مِنْ بَلَدِ كَذَا بِشَرْطِ أَنْ تَبْعُدَ الْآفَةُ فِيهَا. (وَ) ذِكْرُ (حَدَاثَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَضِدِّهِمَا) فَيَقُولُ حَدِيثٌ أَوْ قَدِيمٌ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ وَيُبَيِّنُ قِدَمَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِ وَيُبَيِّنُ كَوْنَهُ مُشْعِرًا أَيْ بِهِ شَعِيرٌ وَنَحْوُهُ أَوْ زَرْعِيٌّ. (وَ) ذِكْرُ (سِنِّ حَيَوَانٍ) وَيَرْجِعُ فِي سِنِّ رَقِيقٍ بَالِغٍ إلَيْهِ وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ فَإِنْ جَهِلَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ تَقْرِيبًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَيَذْكُرُ نَوْعَهُ كَضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ثَنِيٍّ أَوْ جَذَعٍ (وَ) ذِكْرُ مَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَهُ فَيَقُولُ (ذَكَرًا وَسَمِينًا وَمَعْلُوفًا وَكَبِيرًا أَوْ ضِدَّهَا) كَالْأُنْثَى وَهَزِيلٍ وَرَاعٍ وَفِي إبِلٍ، فَيَقُولُ: بُخْتِيَّةٌ أَوْ عِرَابِيَّةٌ أَوْ بِنْتُ مَخَاضٍ أَوْ لَبُونٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَبَيْضَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَنَحْوُهُمَا وَمِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ وَكَذَا خَيْلٌ وَتُنْسَبُ بِغَالٌ وَحَمِيرٌ لِبَلَدِهَا. (وَ) فِي صَيْدٍ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ نَوْعِهِ وَمَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَهُ (صَيْدَ أُحْبُولَةٍ أَوْ) صَيْدَ (كَلْبٍ أَوْ) صَيْدَ (صَقْرٍ) أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْأُحْبُولَةِ سَلِيمٌ، وَالْكَلْبِ أَطْيَبُ نَكْهَةً مِنْ الْفَهْدِ وَيَذْكُرُ فِي تَمْرٍ النَّوْعَ، كَصَيْحَانِيٍّ وَالْجَوْدَةَ وَالْكِبَرَ أَوْ ضِدَّهُمَا، وَالْبَلَدَ نَحْوَ بَغْدَادِيٍّ؛ لِأَنَّهُ أَحْلَى وَأَقَلُّ بَقَاءً لِعُذُوبَةِ مَائِهِ وَالْبَصْرِيُّ بِخِلَافِهِ وَالْحَدَاثَةَ فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَتِيقُ أَجْزَأَ وَإِنْ شَرَطَ عَتِيقٌ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَكَذَا الرُّطَبُ إلَّا الْحَدَاثَةَ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا مَا أَرْطَبَ كُلُّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ مَشْدُوخٍ وَلَا مَا قَارَبَ أَنْ يُتْمِرَ وَيَذْكُرُ فِي عَسَلٍ جِنْسَهُ كَنَحْلٍ أَوْ قَصَبٍ وَبَلَدَهُ وَزَمَنَهُ، كَرَبِيعِيٍّ أَوْ صَيْفِيٍّ وَلَوْنَهُ كَأَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مُصَفًّى مِنْ شَمْعَةٍ، وَفِي سَمْنٍ نَوْعَهُ كَسَمْنِ بَقَرٍ أَوْ ضَأْنٍ، وَلَوْنَهُ كَأَصْفَرَ أَوْ أَبْيَضَ، وَمَرْعَاهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْحَدَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِيهَا وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي عَتِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدٍّ وَيَذْكُرُ فِي اللَّبَنِ النَّوْعَ وَالْمَرْعَى وَفِي حِينِ النَّوْعِ وَالْمَرْعَى، وَرَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَفِي ثَوْبٍ النَّوْعَ وَالْبَلَدَ وَاللَّوْنَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالْخُشُونَةَ وَالصَّفَاقَةَ وَضِدَّهَا. فَإِنْ زَادَ الْوَزْنُ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ، وَفِي غَزْلٍ اللَّوْنَ وَالنَّوْعَ وَالْبَلَدَ وَالْوَزْنَ وَالْغِلَظَ وَالرِّقَّةَ، وَفِي صُوفٍ وَنَحْوِهِ ذِكْرُ بَلَدٍ وَلَوْنٍ وَطُولٍ أَوْ قِصَرٍ وَذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ وَزَمَانٍ، وَفِي كَاغِدٍ يَذْكُرُ بَلَدًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَغِلَظًا أَوْ رِقَّةً، وَاسْتِوَاءُ الصِّفَةِ وَاللَّوْنِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ وَهَكَذَا. (وَ) فِي رَقِيقٍ ذِكْرُ نَوْعٍ كَرُومِيٍّ أَوْ حَبَشِيٍّ أَوْ زِنْجِيٍّ؛ و(طُولِ رَقِيقٍ بِشِبْرٍ). قَالَ أَحْمَدُ: يَقُولُ خُمَاسِيٌّ سُدَاسِيٌّ أَعْجَمِيٌّ أَوْ فَصِيحٌ ذَكَرٌ وَأُنْثَى (وَكَحِلًا أَوْ دَعِجًا وَبَكَارَةً أَوْ ثُيُوبَةً وَنَحْوَهَا) كَسِمَنٍ وَهُزَالٍ وَسَائِرِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ ثَمَنُهُ وَالْكَحَلُ سَوَادُ الْعَيْنِ مَعَ سِعَتِهَا وَالدَّعَجُ أَنْ يَعْلُوَ الْأَجْفَانَ سَوَادٌ خِلْقَةً مَوْضِعُ الْكُحْلِ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ وَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْحُسْنِ، كَأَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَزَجَّ الْحَاجِبَيْنِ لَزِمَهُ. (وَ) ذِكْرُ (نَوْعِ طَيْرٍ) كَحَمَامٍ وَكُرْكِيٍّ (وَ) ذِكْرُ (لَوْنِهِ وَكِبَرِهِ) إنْ اخْتَلَفَ بِهِ لَا ذُكُورِيَّةً وَأُنُوثِيَّةً إلَّا فِي نَحْوِ دَجَاجٍ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهَا وَلَا إلَى مَوْضِعِ اللَّحْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا يُؤْخَذُ بَعْضُهُ كَالنَّعَامِ وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ رَأْسٍ وَسَاقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَحْمَ عَلَيْهَا (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ أَجْوَدَ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جَيِّدٍ إلَّا وَيُحْتَمَلُ وُجُودُ أَجْوَدَ مِنْهُ (أَوْ أَرْدَأَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَطُولُ فِي الْأَوْصَافِ بِحَيْثُ يَنْتَهِي إلَى حَالٍ يَنْدُرُ وُجُودُ الْمُسْلَمُ فِيهِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْلَمُ (أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ) مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِدُونِهِ. (وَ) لَهُ أَخْذُ (غَيْرِ نَوْعِهِ) كَمَعْزٍ عَنْ ضَأْنٍ وَجَوَامِيسَ عَنْ بَقَرٍ (مِنْ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ بَيْنَهُمَا. (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُسْلِمَ (أَخْذُ أَجْوَدَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا أَسْلَمَ فِيهِ (مِنْ نَوْعِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزَادَهُ نَفْعًا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَلَوْ أَجْوَدَ مِنْهُ كَضَأْنٍ عَنْ مَعْزٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ مَا وَصَفَاهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالنَّوْعُ صِفَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَ غَيْرُهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنْ رَضِيَا جَازَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَلَحْمِ بَقَرٍ عَنْ ضَأْنٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ رَضِيَا لِحَدِيثِ {مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهُ بِيعَ بِخِلَافِ غَيْرِ نَوْعِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ قَضَاءٌ لِلْحَقِّ (وَيَجُوزُ) لِمُسْلِمٍ (رَدُّ) سَلَمٍ (مَعِيبٍ) أَخَذَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ وَيَطْلُبُ بَدَلَهُ. (وَ) لَهُ (أَخْذُ أَرْشِهِ) مَعَ إمْسَاكِهِ كَمَبِيعٍ غَيْرِ سَلَمٍ. (وَ) لِمُسْلَمٍ إلَيْهِ أَخْذُ (عِوَضِ زِيَادَةِ قَدْرٍ) دَفَعَهُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي قَفِيزٍ فَجَاءَهُ بِقَفِيزَيْنِ لِجَوَازِ إفْرَادِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالْبَيْعِ و(لَا) يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ عِوَضٍ (جَوْدَةً) إنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ صِفَةٌ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ (وَلَا) أَخْذُ عِوَضِ (نَقْصِ رَدَاءَةٍ) لَوْ جَاءَ بِأَرْدَأَ لِمَا سَبَقَ الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) ذِكْرُ (قَدْرِ كَيْلٍ فِي مَكِيلٍ، وَ) قَدْرِ (وَزْنٍ فِي مَوْزُونٍ، وَ) قَدْرِ (ذَرْعٍ فِي مَذْرُوعٍ مُتَعَارَفٍ) أَيْ الْمِكْيَالِ وَالرَّطْلِ مَثَلًا وَالذِّرَاعِ (فِيهِنَّ) عِنْدَ الْعَامَّةِ لِحَدِيثِ {مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ} وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي الذِّمَّةِ، فَاشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ قَدْرِهِ كَالثَّمَنِ. (فَلَا يَصِحُّ) سَلَمٌ. (فِي مَكِيلٍ) كَلَبَنٍ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَتَمْرٍ (وَزْنًا، وَلَا فِي مَوْزُونٍ كَيْلًا) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ كَبَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلِأَنَّهُ قَدَّرَهُ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي مَذْرُوعٍ وَزْنًا (وَلَا) يَصِحُّ (شَرْطُ صِحَّةٍ، أَوْ مِكْيَالٍ، أَوْ ذِرَاعٍ لَا عُرْفَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فَاتَ الْعِلْمُ بِهِ وَلِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَقْدُ (فَإِنْ عَيَّنَ فَرْدًا مِمَّا لَهُ عُرْفٌ) بِأَنْ قَالَ: رِطْلُ فُلَانٍ، أَوْ مِكْيَالِهِ، أَوْ ذِرَاعُهُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ (صَحَّ الْعَقْدُ) لِلْعِلْمِ بِهَا (دُونَ التَّعْيِينِ) فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ) نَصًّا لِلْخَبَرِ فَأَمَرَ بِالْأَجَلِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ السَّلَمَ رُخْصَةٌ جَازَ لِلرِّفْقِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْأَجَلِ فَإِنْ انْتَفَى الْأَجَلُ انْتَفَى الرِّفْقُ فَلَا يَصِحُّ، كَالْكِتَابَةِ وَالْحُلُولُ يُخْرِجُهُ عَنْ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ بِخِلَافِ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنَى التَّأْجِيلِ (لَهُ) أَيْ الْأَجَلِ (وَقَعَ فِي الثَّمَنِ عَادَةً)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَجَلِ لِتَحْقِيقِ الرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ بِمُدَّةٍ لَا وَقْعَ لَهَا فِي الثَّمَنِ (كَشَهْرٍ وَنَحْوِهِ) مِثَالٌ لِمَا لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ. وَفِي الْكَافِي: كَنِصْفِهِ. (وَيَصِحُّ) أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسَيْنِ) كَأُرْزٍ، وَعَسَلٍ (إلَى أَجَلٍ) وَاحِدٍ (إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ. (وَ) يَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ (فِي جِنْسٍ) وَاحِدٍ (إلَى أَجَلَيْنِ) كَسَمْنٍ يَأْخُذُ بَعْضَهُ فِي رَجَبٍ، وَبَعْضَهُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إلَى أَجَلٍ جَازَ إلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ (إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ)؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْأَبْعَدَ لَهُ زِيَادَةُ وَقْعٍ عَلَى الْأَقْرَبِ، فَمَا يُقَابِلُهُ أَقَلُّ فَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ قِسْطِهِ وَثَمَنِهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ: كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فِي جِنْسٍ كَأُرْزٍ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ حِصَّةَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُسْلَمَ فِي شَيْءٍ) كَلَحْمٍ وَخُبْزٍ وَعَسَلٍ (يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ قِسْطٍ أَوْ لَا لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَمَتَى قَبَضَ الْبَعْضَ وَتَعَذَّرَ الْبَاقِي رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَجْعَلُ لِلْمَقْبُوضِ فَضْلًا عَلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ مُمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ فَقَسَّطَ الثَّمَنَ عَلَى أَجْزَائِهِ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ أَجَلُهُ. (وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَاعَ) مُطْلَقًا أَوْ لِمَجْهُولٍ (أَوْ أَجَّرَ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يَعِدْ بِغَايَةٍ (أَوْ) جَعَلَهَا (ل) أَجَلٍ (مَجْهُولٍ كَحَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنُزُولِ مَطَرٍ لَمْ يَصِحَّ غَيْرُ بَيْعٍ، لِفَوَاتِ شَرْطِهَا وَلِأَنَّ الْحَصَادَ وَنَحْوَهُ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَكَذَا لَوْ أَبْهَمَ الْأَجَلَ كَإِلَى وَقْتٍ أَوْ زَمَنٍ (أَوْ جَعَلَهَا إلَى عِيدٍ، أَوْ رَبِيعٍ، أَوْ جُمَادَى، أَوْ النَّفْرِ لَمْ يَصِحَّ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَلَمٍ وَإِجَارَةٍ وَخِيَارِ شَرْطٍ لِلْجَهَالَةِ (غَيْرُ الْبَيْعِ) فَيَصِحُّ حَالًّا وَتَقَدَّمَ فَإِنْ عَيَّنَ عِيدَ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، أَوْ رَبِيعَ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ، أَوْ جُمَادَى كَذَلِكَ، أَوْ النَّفْرَ الْأَوَّلُ وَهُوَ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ الثَّانِي وَهُوَ ثَالِثُهَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ (وَإِنْ قَالَا) أَيْ عَاقِدَا سَلَمٍ: (مَحَلُّهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَسْرُ لُغَةً: مَوْضِعُ الْحُلُولِ (رَجَبٌ أَوْ) مَحَلُّهُ (إلَيْهِ) أَيْ رَجَبٍ (أَوْ) مَحَلُّهُ (فِيهِ) أَيْ رَجَبٍ. (وَنَحْوُهُ) كَشَعْبَانَ (صَحَّ) السَّلَمُ (وَحَلَّ) مُسْلَمٌ فِيهِ (بِأَوَّلِهِ) أَيْ رَجَبٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقُ إلَى رَجَبٍ أَوْ فِيهِ وَلَيْسَ مَجْهُولًا لِتَعَلُّقِهِ بِأَوَّلِهِ (وَ) إنْ قَالَا: مَحِلُّهُ (إلَى أَوَّلِهِ) أَيْ شَهْرِ كَذَا (أَوْ) إلَى (آخِرِهِ، يَحِلُّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَتَعْلِيقِ طَلَاقٍ (وَلَا يَصِحُّ) إنْ قَالَا (يُؤَدِّيهِ فِيهِ) أَيْ فِي شَهْرِ كَذَا لِجَعْلِهِ ظَرْفًا فَيَشْمَلُ أَوَّلَهُ وَآخِرِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ (وَيَصِحُّ) تَأْجِيلُهُ (لِشَهْرٍ وَعِيدٍ رُومِيَّيْنِ إنْ عُرِفَا) كَشُبَاطِ وَالنَّيْرُوزِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ، لَا يَخْتَلِفَانِ أَشْبَهَا أَشْهُرَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْيَادُهُمْ بِخِلَافِ الشَّعَانِينَ، وَعِيدِ الْفَطِيرِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَدِينٍ) أَيْ مُسْلَمٍ إلَيْهِ (فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْأَجَلِ. (وَ) فِي عَدَمِ (مُضِيِّهِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى الْأَجَلَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ الْأَصْلُ. (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي (مَكَانِ تَسْلِيمٍ) نَصًّا إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ مُؤْنَةِ نَقْلِهِ إلَى مَوْضِعٍ ادَّعَى الْمُسْلِمُ شَرْطَ التَّسْلِيمِ فِيهِ (وَمَنْ أُتِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِمَالِهِ) أَيْ دَيْنِهِ (مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَبْلَ مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ: أَيْ حُلُولِهِ. (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ (فِي قَبْضِهِ) كَخَوْفٍ، وَتَحَمُّلِ مُؤْنَةٍ، أَوْ اخْتِلَافِ قَدِيمِهِ وَحَدِيثِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ رَبَّ الدَّيْنِ قَبْضُهُ نَصًّا لِحُصُولِ غَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ: كَالْأَطْعِمَةِ، وَالْحُبُوبِ، وَالْحَيَوَانِ أَوْ الزَّمَنِ مَخُوفًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْضُهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي مَحِلِّهِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ مُطْلَقًا كَمَبِيعٍ مُعَيَّنٍ. (فَإِنْ أَبَى) قَبْضَهُ حَيْثُ لَزِمَهُ (قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ أَوْ تُبْرِئَ) مِنْ الْحَقِّ. (فَإِنْ أَبَاهُمَا) أَيْ الْقَبْضَ وَالْإِبْرَاءَ (قَبَضَهُ) الْحَاكِمُ (لَهُ) أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ: لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ كَمَا يَأْتِي فِي السَّيِّدِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ الْكِتَابَةِ (وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ) مَدِينِ (غَيْرِهِ فَأَبَى رَبُّهُ) أَيْ الدَّيْنِ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ (أَوْ أَعْسَرَ) زَوْجٌ (بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْسِرْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ) أَيْ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا (فَأَبَتْ) الزَّوْجَةُ قَبُولَ نَفَقَتِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (لَمْ يُجْبَرَا) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ وَالزَّوْجَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمَا (وَمَلَكَتْ) الزَّوْجَةُ (الْفَسْخَ) لِإِعْسَارِ زَوْجِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَبْذُلْهَا أَحَدٌ فَإِنْ مَلَّكَهُ لِمَدِينٍ وَزَوْجٍ، وَقَبَضَاهُ، وَدَفَعَاهُ لَهُمَا أُجْبِرَا عَلَى قَبُولِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ، وَتُسَلَّمُ الْحُبُوبُ نَقِيَّةً مِنْ تِبْنٍ وَعُقَدٍ وَنَحْوِهَا، وَتُرَابٍ إلَّا يَسِيرًا لَا يُؤَثِّرُ فِي كَيْلٍ، وَالتَّمْرُ جَافًّا الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: غَلَبَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ) أَيْ عِنْدَ حُلُولِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ عُدِمَ وَقْتَ عَقْدِ كَسَلَمٍ فِي رُطَبٍ، وَعِنَبٍ فِي الشِّتَاءِ إلَى الصَّيْفِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ غَالِبًا عِنْدَ وُجُوبِهِ أَشْبَهَ بَيْعَ الْآبِقِ بَلْ أَوْلَى. (وَيَصِحُّ) سَلَمٌ (إنْ عَيَّنَ) مُسْلَمٌ فِيهِ مِنْ (نَاحِيَةٍ تَبْعُدُ فِيهَا آفَةٌ) كَتَمْرِ الْمَدِينَةِ، و. (لَا) يَصِحُّ السَّلَمُ إنْ عَيَّنَ (قَرْيَةً صَغِيرَةً أَوْ بُسْتَانًا وَلَا) إنْ أَسْلَمَ فِي شَاةٍ (مِنْ غَنَمِ زَيْدٍ، أَوْ أَسْلَمَ) فِي بَعِيرٍ مِنْ (نِتَاجِ فَحْلِهِ، أَوْ فِي) ثَوْبٍ (مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ) كَفِي عَبْدٍ مِثْلِ هَذَا الْعَبْدِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ {أَنَّهُ أَسْلَفَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ دَنَانِيرَ فِي تَمْرٍ مُسَمًّى فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: مِنْ تَمْرِ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَلَا وَلَكِنْ كَيْلٌ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ، وَلَا تَلَفُ الْمُسْلَمِ فِي مِثْلِهِ، أَشْبَهَ تَقْدِيرَهُ بِنَحْوِ مِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ (وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَحِلٍّ) أَيْ وَقْتٍ (يُوجَدُ فِيهِ) مُسْلَمٌ فِيهِ (عَامًّا، فَانْقَطَعَ وَيُحَقَّقُ بَقَاؤُهُ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ) وَلَوْ شَقَّ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ) مُسْلَمٌ فِيهِ (أَوْ) تَعَذَّرَ (بَعْضُهُ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ (خُيِّرَ) مُسْلِمٌ (بَيْنَ صَبْرٍ) إلَى وُجُودِهِ، فَيُطَالِبُ بِهِ. (أَوْ فَسْخٍ فِيمَا تَعَذَّرَ) مِنْهُ كَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا فَأَبَقَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَيَرْجِعُ) إنْ فَسَخَ لِتَعَذُّرِهِ كُلِّهِ (بِرَأْسِ مَالِهِ) إنْ وُجِدَ (أَوْ عِوَضِهِ) إنْ عُدِمَ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَإِنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ إلَى ذِمِّيٍّ فِي خَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، رَجَعَ مُسْلِمٌ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ عِوَضِهِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِيفَاءِ. الشَّرْطُ (السَّادِسِ: قَبْضُ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ السَّلَمِ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ) مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ تَفَرُّقًا يُبْطِلُ خِيَارَ مَجْلِسٍ، لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَاسْتَنْبَطَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَلْيُسْلِفْ " أَيْ فَلْيُعْطِ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ السَّلَفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا أَسْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ أَسْلَفَهُ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّرْفَ لَوْ قَبَضَ بَعْضَهُ (وَكَقَبْضٍ) فِي الْحُكْمِ (مَا بِيَدِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ) وَنَحْوُهُ فَيَصِحُّ جَعْلُهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَوْلُهُ " أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ " بَدَلٌ مِنْ " مَا". وَ (لَا) يَصِحُّ جَعْلُ (مَا فِي ذِمَّتِهِ) رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ مَالٍ دَيْنًا كَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ بِخِلَافِ أَمَانَةٍ وَغَصْبٍ وَلَوْ عَقَدَا عَلَى نَحْوِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي نَحْوِ كُرِّ طَعَامٍ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مِنْهَا خَمْسِينَ وَخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ، لَمْ يَصِحَّ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قُلْنَا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعَجَّلِ فَضْلًا عَلَى الْمُؤَجَّلِ، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي مُقَابَلَةِ الْمُؤَجَّلِ وَالزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ (وَتُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ) أَيْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. (وَ) مَعْرِفَةُ (صِفَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فَسْخُ السَّلَمِ لِتَأَخُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ مَالٍ لِيُرَدَّ بَدَلُهُ كَالْقَرْضِ، وَاعْتُبِرَ التَّوَهُّمُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِهِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ الْغَرَرِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا (فَلَا تَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ) أَيْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ كَمَا لَوْ عَقَدَاهُ بِصُبْرَةٍ لَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهَا وَوَصْفَهَا. (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) كَكُتُبٍ (وَيُرَدُّ) مَا قُبِضَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ مَالِ سَلَمٍ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ( إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا) يُوجَدْ (فَقِيمَتُهُ) وَلَوْ مِثْلِيًّا، قَالَ فِي شَرْحِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ (فَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهَا) أَيْ الْقِيمَةِ أَيْ قَدْرِهَا (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَإِذَا تَعَذَّرَ) قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ قِيمَةَ مَا قَبَضْتُهُ (فَ) عَلَيْهِ (قِيمَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ مُؤَجَّلَةً) بِأَجَلِ السَّلَمِ إذْ الظَّاهِرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وُقُوعُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فَقَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةَ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَإِنْ وَجَدَهُ مَغْصُوبًا أَوْ مَعِيبًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بَطَلَ الْعَقْدُ، إنْ عُيِّنَ أَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِهِ وَرَدُّهُ، وَطَلَبُ بَدَلِ مَا فِي الذِّمَّةِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ. الشَّرْطُ (السَّابِعُ أَنْ يُسْلَمَ فِي ذِمَّةٍ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُهُمْ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ، إذْ الْمُؤَجَّلُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِمَّةٍ (فَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي عَيْنٍ كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَنَحْوِهَا)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ بَيْعُهَا فِي الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى السَّلَمِ فِيهِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ) (ذِكْرُ مَكَانِ الْوَفَاءِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَكَبَاقِي الْبُيُوعِ (إنْ لَمْ يُعْقَدْ بِبَرِّيَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَدَارِ حَرْبٍ وَجَبَلٍ غَيْرِ مَسْكُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَكُونُ مَحِلُّ التَّسْلِيمِ مَجْهُولًا فَاشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ بِالْقَوْلِ كَالزَّمَانِ (وَيَجِبُ) الْوَفَاءُ (مَكَانَ عَقْدِ) السَّلَمِ إذَا كَانَ مَحَلَّ إقَامَةٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ التَّسْلِيمُ فِي مَكَانِهِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْوَفَاءِ (فِيهِ) أَيْ مَكَانِ الْعَقْدِ (مُؤَكَّدٌ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُؤَثِّرُ (وَإِنْ دَفَعَ مُسْلَمٌ) إلَيْهِ السَّلَمَ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي شُرِطَ بِهِ إنْ عُقِدَ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ أَوْ مَكَانِ الْعَقْدِ إنْ عُقِدَ بِغَيْرِ نَحْوِ بَرِّيَّةٍ (إلَّا مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ (صَحَّ) أَيْ جَازَ الدَّفْعُ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ وَبَرِئَ دَافِعٌ (كَ) مَا يَصِحُّ (شَرْطُهُ) أَيْ الْوَفَاءِ (فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْدِ كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ فَإِنْ دَفَعَهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَدَفَعَ مَعَهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ بَعْضِ السَّلَمِ (وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ بِمُسْلَمٍ فِيهِ) رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَالضَّمَانُ يُقِيمُ مَا فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ مَقَامَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْعِوَضِ وَالْبَدَلِ عَنْهُ وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ لِلْخَبَرِ، وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ (وَلَا) يَصِحُّ (اعْتِيَاضٌ عَنْهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُهُ أَوْ) بَيْعُ (رَأْسِ مَالِهِ) الْمَوْجُودِ (بَعْدَ فَسْخِ) عَقْدٍ (وَقَبْلَ قَبْضِ) رَأْسِ مَالِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ (لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا حَوَالَةَ بِهِ وَلَا) حَوَالَةَ (عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ} عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضَمْنَ وَحَدِيثِ {مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ} وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ أَشْبَهَ الْمَكِيلَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَيْضًا فَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ بَعْدَ فَسْخِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ أَشْبَهَ الْمُسْلَمَ فِيهِ (وَتَصِحُّ هِبَةُ كُلِّ دَيْنٍ) سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَدِينٍ)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَإِنْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَاقْتِضَاءِ الْهِبَةِ وُجُودَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ) دَيْنٍ (مُسْتَقِرٍّ مِنْ ثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُقَرِّرُهُ (وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ) كَجُعْلٍ بَعْدَ عَمَلٍ وَعِوَضِ نَحْوِ خُلْعٍ (لِمَدِينٍ) فَقَطْ (بِشَرْطِ قَبْضِ عِوَضِهِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. فَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ عِوَضٌ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ (أَيْ بَيْعُ) الدَّيْنِ (بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً) كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَبُرٍّ بِشَعِيرٍ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) بَيْعُ الدَّيْنِ (بِمَوْصُوفٍ فِي ذِمَّةٍ) وَلَمْ يُقْبَضْ بِالْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ بِيعَ مَكِيلٌ بِمَوْزُونٍ مُعَيَّنٍ وَعَكْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ عِوَضُهُ بِالْمَجْلِسِ. وَ (لَا) يَصِحُّ بَيْعُ دَيْنٍ مُطْلَقًا (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَشْبَهَ الْآبِقَ (وَلَا) بَيْعُ دَيْنٍ (غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ كَدَيْنِ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ) كَأُجْرَةٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ نَفْعِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ غَيْرُ تَامٍّ (وَتَصِحُّ إقَالَةُ فِي سَلَمٍ)؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ (وَ) تَصِحُّ إقَالَةٌ فِي (بَعْضِهِ)؛ لِأَنَّهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَكُلُّ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ صَحَّ فِي شَيْءٍ صَحَّ فِي بَعْضِهِ كَالْإِبْرَاءِ (بِدُونِ) مُتَعَلِّقٌ ب تَصِحُّ (قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ لِلسَّلَمِ إنْ وُجِدَ. (وَ) بِدُونِ قَبْضِ (عِوَضِهِ) أَيْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (إنْ تَعَذَّرَ) رَأْسُ الْمَالِ لِتَلَفِهِ (فِي مَجْلِسِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضٍ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ فَإِذَا حَصَلَتْ بَقِيَ الثَّمَنُ بِيَدِ الْبَائِعِ أَوْ ذِمَّتِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَالْقَرْضِ (وَيُفْسَخُ) سَلَمٌ. (يَجِبُ) عَلَى مُسْلَمٍ إلَيْهِ (رَدُّ مَا أَخَذَ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ بَقِيَ لِرُجُوعِهِ لِمُشْتَرٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ بَاقِيًا (فَ) عَلَيْهِ (مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (ثُمَّ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، أَوْ تَعَذَّرَ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ رُجِعَ بِبَدَلِهِ (فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ ثَمَنًا) أَيْ نَقْدًا (وَهُوَ ثَمَنٌ فَ) هُوَ (صَرْفٌ) لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ بِأَنْ كَانَ الْمُعَوَّضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عِوَضًا. (يَجُوزُ تَفَرُّقٌ قَبْلَ قَبْضٍ) إنْ لَمْ يَتَّفِقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ يُعَوِّضْ عَنْهُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ (وَمَنْ لَهُ سَلَمٌ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ: لِغَرِيمِهِ اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِك) فَفَعَلَ (لَمْ يَصِحَّ) قَبْضُهُ (لِنَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ حَوَالَةٌ بِهِ (وَلَا) قَبْضُهُ (لِلْآمِرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فِي قَبْضِهِ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ، فَيُرَدُّ لِمُسْلَمٍ إلَيْهِ (وَصَحَّ) قَبْضُهُ لَهُمَا إنْ قَالَ اقْبِضْهُ (لِي ثُمَّ) اقْبِضْهُ (لَكَ) لِاسْتِنَابَتِهِ فِي قَبْضِهِ لَهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ لِمُوَكِّلِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً وَتَقَدَّمَ يَصِحُّ قَبْضُ وَكِيلٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ (وَ) إنْ قَالَ رَبُّ سَلَمٍ لِغَرِيمِهِ (أَنَا أَقْبِضُهُ) أَيْ السَّلَمَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُ) صَحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ لِوُجُودِ قَبْضِهِ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ (أَوْ) قَالَ رَبُّ سَلَمٍ لِغَرِيمِهِ (أَحْضِرْ كُتَيِّبًا لِي مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ (لِأَقْبِضَهُ لَك) فَفَعَلَ (صَحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ: لِأَقْبِضَهُ لَك؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَعَ نِيَّتِهِ لِغَرِيمِهِ كَمَعَ نِيَّتِهِ لِنَفْسِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَبْضًا لِغَرِيمِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ لَهُ بِالْكَيْلِ فَإِنْ قَبَضَهُ بِدُونِهِ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الدَّافِعِ (وَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ الْقَابِضُ الْمَقْبُوضَ (بِمِكْيَالِهِ وَأَقْبَضَهُ لِغَرِيمِهِ صَحَّ) الْقَبْضُ (لَهُمَا)؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَكِيلِ كَابْتِدَائِهِ، وَقَبْضُ الْآخَرِ لَهُ فِي مِكْيَالِهِ جَرَى لِصَاعِهِ فِيهِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُ قَابِضِ) السَّلَمِ أَوْ غَيْرِهِ (جُزَافًا فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْمَقْبُوضِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزَّائِدَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ) مَنْ قَبَضَ مَكِيلًا وَنَحْوِهِ جُزَافًا (فِي قَدْرِ حَقِّهِ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ) بِمِعْيَارِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ و(لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ (قَابِضٍ) وَلَا مُقْبِضٍ (بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ) وَنَحْوِهِ (دَعْوَى غَلَطٍ وَنَحْوِهِ) كَسَهْوٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَمَا قَبَضَهُ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَأَكْثَرُ (مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بِإِرْثٍ أَوْ إتْلَافِ) عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ (أَوْ) ب (عَقْدٍ) كَبَيْعِ مُشْتَرَكٍ أَوْ إجَارَتِهِ (أَوْ) ب (ضَرِيبَةٍ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ) كَوَقْفٍ عَلَى عَدَدٍ مَحْصُورٍ (فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذٍ مِنْ غَرِيمٍ) لِبَقَاءِ اشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ (أَوْ) أَخْذٍ مِنْ (قَابِضٍ) لِلِاسْتِوَاءِ فِي الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَمْيِيزِ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِهِ (وَلَوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ الطَّالِبِ لِحَقِّهِ) لِمَا سَبَقَ (مَا لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ) أَيْ الشَّرِيكَ فِي الْقَبْضِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ فِي نَصِيبِهِ فَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يُحَاصِصْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْبِضْ لَك (أَوْ) مَا لَمْ (يُتْلَفْ) مَقْبُوضٌ (فَيُتَعَيَّنُ غَرِيمٌ) وَالتَّالِفُ مِنْ حِصَّةِ قَابِضٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا لِعَدَمِ تَعَدِّيه؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ وَإِنَّمَا شَارَكَهُ لِثُبُوتِهِ مُشْتَرَكًا مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا لَوْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ بِرَهْنٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَمَنْ اسْتَحَقَّ) أَيْ تَجَدَّدَ لَهُ دَيْنٌ (عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَالِهِ عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنٍ جِنْسًا و(قَدْرًا وَصِفَةً حَالَّيْنِ) بِأَنْ اقْتَرَضَ زَيْدُ مِنْ عَمْرٍو دِينَارًا مِصْرِيًّا مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَى عَمْرٌو مِنْ زَيْدٍ شَيْئًا بِدِينَارٍ مِصْرِيٍّ حَالٍّ (أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلًا وَاحِدًا) كَثَمَنَيْنِ اتَّحَدَ أَجَلُهُمَا (تَسَاقَطَا) إنْ اسْتَوَيَا (أَوْ) سَقَطَ مِنْ الْأَكْثَرِ (بِقَدْرِ الْأَقَلِّ) إنْ تَفَاوَتَا قَدْرًا بِدُونِ تَرَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرّ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَهُ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِثَمَنٍ مِنْ جِنْسِ مَا سُمِّيَ لَهَا و(لَا) يَتَسَاقَطَانِ (إذَا كَانَا) أَيْ الدَّيْنَانِ دَيْنَ سَلَمٍ (أَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ) وَلَوْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي دَيْنِ سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ (حَقٌّ) بِأَنْ بِيعَ الرَّهْنُ لِتَوْفِيَةِ دَيْنِهِ مِنْ مَدِينٍ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ عَيَّنَ الْمُفْلِسُ بَعْضَ مَالِهِ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ فَلَا مُقَاصَّةَ لَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَمَنْ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ مَعَ عُسْرَتِهَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ بِمَا فَضَلَ (وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ وَفَاءً) عَمَّا عَلَيْهِ (بِدَفْعٍ بَرِئَ) مِنْهُ (وَإِلَّا) يَنْوِ وَفَاءً (فَتَبَرُّعٌ) لِحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ رَدَّ الْأَمَانَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ لَا يَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ أَيْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ (وَتَكْفِي نِيَّةُ حَاكِمٍ وَفَّاهُ قَهْرًا مِنْ) مَالِ (مَدْيُونٍ) لِامْتِنَاعِهِ أَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ رَبُّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ.
بِفَتْحِ الْقَافِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ إذَا قَطَعَهُ وَمِنْهُ الْمِقْرَاضُ وَالْقَرْضُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ وَشَرْعًا (دَفْعُ مَالٍ إرْفَاقًا لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيْ الْمَالِ (وَيَرُدُّ بَدَلَهُ لَهُ) وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ لَفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهُوَ) أَيْ الْقَرْضُ (مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا) لِلْمُقْرِضِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيجًا وَقَضَاءً لِحَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ. (وَ) هُوَ (نَوْعٌ مِنْ السَّلَفِ) لِشُمُولِهِ لَهُ وَلِلسَّلَمِ، فَيَصِحُّ بِلَفْظِهِ وَبِكُلِّ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، كَمَلَّكْتُك هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ (فَإِنْ قَالَ مُعْطٍ) لِمَالٍ (مَلَّكْتُك وَلَا قَرِينَةَ عَلَى رَدِّ بَدَلِهِ) فَهِبَةٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ هِبَةٌ أَوْ قَرْضٌ (فَقَوْلُ آخِذٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ هِبَةٌ)؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى رَدِّ بَدَلِهِ فَقَوْلُ مُعْطٍ إنَّهُ قَرْضٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْرِضٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ مُقْتَرِضٍ نَصًّا وَقَالَ إذَا اقْتَرَضَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِحَالِهِ لَمْ يُعْجِبْنِي، وَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ لِإِخْوَانِهِ بِجَاهِهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا كَانَ مَنْ يَقْتَرِضُ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَفَاءِ. وَلَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مَا يَقْدِرُ أَنْ يُوَفِّيَهُ إلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُتَعَذَّرُ مِثْلُهُ، وَكَذَا الْفَقِيرُ يَتَزَوَّجُ مُوسِرَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَهَا بِحَالِهِ لِئَلَّا يَغُرَّهَا وَلَهُ أَخْذُ جُعْلٍ عَلَى اقْتِرَاضِهِ لَهُ بِجَاهِهِ لَا عَلَى كَفَالَتِهِ (وَشُرِطَ عِلْمُ قَدْرِهِ) أَيْ الْقَرْضِ بِمُقَدَّرٍ مَعْرُوفٍ فَلَا يَصِحُّ قَرْضُ دَنَانِيرَ وَنَحْوِهَا عَدَدًا إنْ لَمْ يَعْرِفْ وَزْنَهَا، إلَّا إنْ كَانَتْ يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا فَيَجُوزُ وَيَرُدُّ بَدَلَهَا عَدَدًا (وَ) مَعْرِفَةُ (وَصْفِهِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّ بَدَلِهِ (وَ) شُرِطَ (كَوْنُ مُقْرِضٍ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) فَلَا يُقْرِضُ نَحْوُ وَلِيِّ يَتِيمٍ مِنْ مَالِهِ وَلَا مُكَاتَبٍ وَنَاظِرِ وَقْفٍ مِنْهُ كَمَا لَا يُحَابِي (وَمِنْ شَأْنِهِ) أَيْ الْقَرْضِ (أَنْ يُصَادِفَ ذِمَّةً) لَا عَلَى مَا يَحْدُثُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الدَّيْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الذِّمَمِ. انْتَهَى. وَفِي الْمُوجَزِ يَصِحُّ قَرْضُ حَيَوَانٍ وَثَوْبٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَيَأْتِي فِي اللَّقِيطِ: الِاقْتِرَاضُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْوَقْفِ اقْتِرَاضُ النَّاظِرِ لَهُ وَشِرَاؤُهُ لَهُ نَسِيئَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ {أَنْ يَأْخُذَ عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ} (وَيَصِحُّ) الْقَرْضُ (فِي كُلِّ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا) مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَغَيْرِهِ وَجَوْهَرٍ وَحَيَوَانٍ (إلَّا بَنِي آدَمَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ قَرْضُهُمْ وَلَا هُوَ مِنْ الْمَرَافِقِ. وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ مَنْفَعَةٍ (وَيَتِمُّ) الْقَرْضُ (بِقَبُولٍ) كَبَيْعٍ (وَيَمْلِكُ) مَا اقْتَرَضَ بِقَبْضٍ (وَيَلْزَمُ) عَقْدُهُ (بِقَبْضٍ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى الْقَبْضِ فَوَقَفَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ (فَلَا يَمْلِكُ مُقْرِضٌ اسْتِرْجَاعَهُ) أَيْ الْقَرْضَ مِنْ مُقْتَرِضٍ كَالْبَيْعِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةٍ (إلَّا إنْ حُجِرَ عَلَى مُقْتَرِضٍ لِفَلَسٍ) فَيَمْلِكُ مُقْرِضٌ الرُّجُوعَ فِيهِ بِشَرْطِهِ لِحَدِيثِ {مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ} وَيَأْتِي (وَلَهُ) أَيْ الْمُقْرِضِ (طَلَبُ بَدَلِهِ) أَيْ الْمُقْرَضِ مِنْ مُقْتَرَضٍ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَأَوْجَبَهُ حَالًّا كَالْإِتْلَافِ، فَلَوْ أَقْرَضَهُ تَفَارِيقَ فَلَهُ طَلَبُهُ بِهَا جُمْلَةً كَمَا لَوْ بَاعَهُ بُيُوعًا مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ طَالَبَهُ بِثَمَنِهَا جُمْلَةً (وَإِنْ شَرَطَ) مُقْرِضٌ (رَدَّهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ وَرَدُّهُ بِعَيْنِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَيَجِبُ) عَلَى مُقْرِضٍ (قَبُولُ) قَرْضٍ (مِثْلِيٍّ رُدَّ) بِعَيْنِهِ وَفَاءً وَلَوْ تَغَيَّرَ سِعْرُهُ لِرَدِّهِ عَلَى صِفَةِ مَا عَلَيْهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ كَالسَّلَمِ بِخِلَافِ مُتَقَوِّمٍ رُدَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ سِعْرُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَهُ قِيمَتُهُ (مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ) مِثْلِيٌّ رُدَّ بِعَيْنِهِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ (أَوْ) مَا لَمْ (يَكُنْ) الْقَرْضُ (فُلُوسًا أَوْ) دَرَاهِمَ (مُكَسَّرَةً فَيُحَرِّمَهَا السُّلْطَانُ) أَيْ: يَمْنَعُ التَّعَامُلَ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ التَّعَامُلِ بِهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ. (فَلَهُ) أَيْ الْمُقْرِضِ (قِيمَتُهُ) أَيْ: الْقَرْضِ الْمَذْكُورِ (وَقْتَ قَرْضٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي مِلْكِهِ، وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَكُونُ الْقِيمَةُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (إنَّ جَرَى فِيهِ) أَيْ: أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ (رِبَا فَضْلٍ) بِأَنْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً وَحُرِّمَتْ وَقِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَرْضِ أَنْقَصُ مِنْ وَزْنِهَا فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِقِيمَتِهَا ذَهَبًا وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ حُلِيًّا (وَكَذَا ثَمَنٌ لَمْ يُقْبَضْ) إذَا كَانَ فُلُوسًا أَوْ مُكَسَّرَةً وَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ (أَوْ طَلَبُ ثَمَنٍ) مِنْ بَائِعٍ (بِرَدِّ مَبِيعٍ) عَلَيْهِ وَصَدَاقٍ وَأُجْرَةٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ مُكَسَّرَةً وَحُرِّمَتْ فَحُكْمُهُ كَقَرْضٍ (وَيَجِبُ) عَلَى مُقْتَرِضٍ (رَدُّ مِثْلِ فُلُوسٍ) اقْتَرَضَهَا وَلَمْ تَحْرُمْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا (غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ أَوْ كَسَدَتْ)؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ. (وَ) يَجِبُ رَدُّ (مِثْلِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ بِمِثْلِهِ، فَكَذَا هُنَا مَعَ أَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ شَبَهًا بِهِ مِنْ الْقِيمَةِ (فَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ فَ) عَلَيْهِ (قِيمَتُهُ يَوْمَ إعْوَازِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ (وَ) يَجِبُ رَدُّ (قِيمَةِ غَيْرِهِمَا) أَيْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَضُمِنَ بِقِيمَتِهِ كَمَا فِي الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ (كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ كَثِيرًا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ قَبْضٍ) لِاخْتِلَافِ قِيمَتِهِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ بِكَثْرَةِ الرَّاغِبِ وَقِلَّتِهِ، فَتَزِيدُ زِيَادَةً كَثِيرَةً فَيَنْظُرُ الْمُقْتَرِضُ أَوْ تَنْقُصُ فَيَنْظُرُ الْمُقْرِضُ (وَغَيْرِهِ) أَيْ: الْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ كَمَذْرُوعٍ وَمَعْدُودٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ قَرْضٍ)؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ (وَيُرَدُّ مِثْلُ كَيْلِ مَكِيلٍ دُفِعَ وَزْنًا)؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ هُوَ مِعْيَارُهُ الشَّرْعِيُّ وَكَذَا يُرَدُّ مِثْلُ وَزْنِ مَوْزُونٍ دُفِعَ كَيْلًا. (وَيَجُوزُ قَرْضُ مَاءٍ كَيْلًا) كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ (وَ) يَجُوزُ قَرْضُهُ (لِسَقْيٍ مُقَدَّرًا بِأُنْبُوبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّا يُعْمَلُ عَلَى هَيْئَتِهَا مِنْ فَخَّارٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ. (وَ) يَجُوزُ قَرْضُهُ مُنْدِرًا (بِزَمَنٍ مِنْ نَوْبَةِ غَيْرِهِ لِيَرُدَّ) مُقْتَرِضٌ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُقْرِضِ (مِثْلَهُ) فِي الزَّمَنِ (مِنْ نَوْبَتِهِ) نَصًّا قَالَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَرِهْتُهُ أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ (وَ) يَجُوزُ قَرْضُ (خُبْزٍ وَخَمِيرٍ) وَرَدُّهُ (عَدَدًا بِلَا قَصْدِ زِيَادَةٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجِيرَانُ يَسْتَقْرِضُونَ الْخُبْزَ وَالْخَمِيرَ وَيَرُدُّونَ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقِ النَّاسِ لَا يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ} رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي وَلِمَشَقَّةِ اعْتِبَارِهِ بِالْوَزْنِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَثْبُتُ الْبَدَلُ) أَيْ بَدَلُ الْقَرْضِ فِي ذِمَّةِ مُقْتَرِضٍ (حَالًّا)؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُوجِبُ رَدَّ الْبَدَلِ فَأَوْجَبَهُ حَالًّا كَالْإِتْلَافِ أَوْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مُنِعَ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَمُنِعَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالصَّرْفِ (وَلَوْ مَعَ تَأْجِيلِهِ) أَيْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَأَيْضًا شَرْطُ الْأَجَلِ زِيَادَةٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ (وَكَذَا كُلُّ) دَيْنٍ (حَالٍّ أَوْ) مُؤَجَّلٍ (حَلَّ) فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَجُوزُ شَرْطُ رَهْنٍ فِيهِ) أَيْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اسْتَقْرَضَ مِنْ يَهُودِيٍّ شَعِيرًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ شَرْطُهُ (وَ) يَجُوزُ شَرْطُ ضَمِينٍ لِمَا تَقَدَّمَ و(لَا) يَجُوزُ الْإِلْزَامُ بِشَرْطِ (تَأْجِيلِ) قَرْضٍ (أَوْ) شَرْطِ (نَقْصٍ فِي وَفَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ) شَرْطٍ (جَرِّ نَفْعًا) فَيَحْرُمُ (كَ) شَرْطِهِ (أَنْ يُسْكِنَهُ) أَيْ الْمُقْتَرِضُ (دَارِهِ أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا أَقْرَضَهُ (أَوْ) أَنْ يَقْضِيَهُ (بِبَلَدٍ آخَرَ) وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَشَرْطُ النَّفْعِ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي: الصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ إرْسَالَ نَفَقَةٍ إلَى أَهْلِهِ فَأَقْرَضَهَا لِيُوَفِّيَهَا الْمُقْتَرِضُ لَهُمْ جَازَ وَلَا يَفْسُدُ الْقَرْضُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ (وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ مَا يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ بِأَنْ أَسْكَنَهُ دَارِهِ أَوْ قَضَاهُ بِبَلَدِ آخَرَ (بِلَا شَرْطٍ) جَازَ (أَوْ أَهْدَى) مُقْتَرِضٌ (لَهُ) هَدِيَّةً (بَعْدَ الْوَفَاءِ) جَازَ (أَوْ قَضَى مُقْتَرِضٌ خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ مِمَّا أَخَذَهُ جَازَ كَصِحَاحٍ عَنْ مُكَسَّرَةٍ أَوْ أَجْوَدَ نَقْدًا أَوْ سِكَّةً مِمَّا اقْتَرَضَ، وَكَذَا رَدُّ نَوْعٍ خَيْرًا مِمَّا أَخَذَهُ أَوْ أَرْجَحَ يَسِيرًا فِي قَضَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. وَفِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِلْخَبَرِ (بِلَا مُوَاطَأَةٍ) فِي الْجَمِيع نَصًّا (أَوْ عُلِمَتْ زِيَادَتُهُ) أَيْ الْمُقْتَرِضِ عَلَى مِثْلِ الْقَرْضِ أَوْ قِيمَتِهِ (لِشُهْرَةِ سَخَائِهِ جَازَ) ذَلِكَ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَرَدَّ خَيْرًا مِنْهُ وَقَالَ: خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً}) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تُجْعَلْ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ وَلَا وَسِيلَةً إلَيْهِ وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ قَرْضٌ (وَإِنْ فَعَلَ) مُقْتَرِضٌ ذَلِكَ بِأَنْ أَسْكَنَهُ دَارِهِ أَوْ أَهْدَى لَهُ (قَبْلَ الْوَفَاءِ وَلَمْ يَنْوِ) مُقْتَرِضٌ (احْتِسَابَهُ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ) لَمْ يَنْوِ (مُكَافَأَتَهُ) عَلَيْهِ (لَمْ يَجُزْ إلَّا إنَّ جَرَتْ عَادَةٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ (بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الْفِعْلِ (قَبْلَ قَرْضٍ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا {إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ (وَكَذَا كُلُّ غَرِيمٍ) حُكْمُهُ كَالْمُقْتَرِضِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ اسْتَضَافَهُ) مُقْتَرِضٌ (حَسَبَ لَهُ) مُقْرِضٌ (مَا أَكَلَ) نَصًّا وَيَتَوَجَّهُ لَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي الدَّعَوَاتِ كَغَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَمَنْ طُولِبَ) مِنْ مُقْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ أَيْ طَالَبَهُ رَبُّ دَيْنِهِ (بِبَدَلِ قَرْضٍ) قُلْتُ: وَمِثْلُهُ ثَمَنٌ فِي ذِمَّةٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ) طُولِبَ بِبَدَلِ (غَصْبٍ بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ قَرْضٍ وَغَصْبٍ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمَدِينَ وَالْغَاصِبَ أَدَاءُ الْبَدَلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ بِلَا ضَرَرٍ (إلَّا مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) كَحَدِيدٍ وَقُطْنٍ وَبُرٍّ (وَقِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ) أَوْ الْغَصْبِ (أَنْقَصُ) مِنْ قِيمَتِهِ بِبَلَدِ الطَّلَبِ (فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَتُهُ بِهَا) أَيْ: بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ إلَى بَلَدِ الطَّلَبِ فَيَصِيرُ كَالْمُتَعَذَّرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ تَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَاعْتُبِرَتْ بِبَلَدِ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ الْغَصْبِ مُسَاوِيَةً لِبَلَدِ الطَّلَبِ أَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ دَفْعُ الْمِثْلِ بِبَلَدِ الطَّلَبِ كَمَا سَبَقَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّ طُولِبَ بِعَيْنِ الْغَصْبِ بِغَيْرِ بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِأَمَانَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَنَحْوِهَا بِغَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهِ. (وَلَوْ بَذَلَهُ) أَيْ الْمِثْلَ (الْمُقْتَرِضُ أَوْ الْغَاصِبُ) بِغَيْرِ بَلَدِ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ (وَلَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ) إلَيْهِ كَأَثْمَانٍ (لَزِمَ) مُقْرِضًا وَمَغْصُوبًا مِنْهُ (قَبُولُهُ مَعَ أَمْنِ الْبَلَدِ وَالطَّرِيقِ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ إذَنْ، قُلْتُ: وَكَذَا ثَمَنٌ وَأُجْرَةٌ وَنَحْوُهُمَا فَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ الْبَلَدُ أَوْ الطَّرِيقُ غَيْرَ آمِنٍ لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ، وَمَنْ اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَابْتَاعَ مِنْهُ بِهَا شَيْئًا فَخَرَجَتْ زُيُوفًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُهُ فَعَيْبُهَا عَلَيْهِ، وَلَهُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ بَدَلُ مَا أَقْرَضَهُ لَهُ بِصِفَتِهِ زُيُوفًا وَحَمَلَهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى مَا إذَا بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ عَيْبَهَا فَأَمَّا إنْ بَاعَهُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ قَبَضَهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهُ دَرَاهِمُ لَا عَيْبَ فِيهَا وَيَرُدَّ عَلَيْهِ هَذِهِ، ثُمَّ لِمُقْتَرِضٍ رَدُّهَا عَنْ قَرْضِهِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ حَسَبَهَا عَلَى مُقْرِضٍ مِنْ قَرْضِهِ وَوَفَّاهُ الثَّمَنَ جَيِّدًا جَازَ.
لُغَةً: الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، وَمِنْهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وَشَرْعًا: (تَوْثِقَةُ دَيْنٍ) غَيْرِ سَلَمٍ وَدَيْنِ كِتَابَةٍ، وَلَوْ فِي الْمَآلِ، كَعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ (بِعَيْنٍ) لَا دَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ (يُمْكِنُ أَخْذُهُ) أَيْ الدَّيْنِ كُلِّهِ (وَ) أَخَذَ (بَعْضِهِ) إنْ لَمْ يَفِ بِهِ (مِنْهَا) أَيْ الْعَيْنِ، إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَنَحْوُهَا، مِمَّا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ (أَوْ) يُمْكِنُ أَخْذُهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ (ثَمَنِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ حَضَرًا وَسَفَرًا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَذِكْرُ السَّفَرِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْكَاتِبِ (وَالْمَرْهُونُ عَيْنٌ مَعْلُومَةٌ) قَدْرًا، وَجِنْسًا، وَصِفَةً (جُعِلَتْ وَثِيقَةً بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ: الْحَقِّ (أَوْ) اسْتِيفَاءُ (بَعْضِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِهَا) كَمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ نَحْوِ وَقْفٍ، وَحُرٍّ، وَأُمِّ وَلَدٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ وَكِتَابَةٍ (وَتَصِحُّ زِيَادَةُ رَهْنٍ) بِأَنْ رَهَنَهُ شَيْئًا عَلَى دَيْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ شَيْئًا آخَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْثِقَةٌ و(لَا) يَصِحُّ زِيَادَةُ (دَيْنِهِ) بِأَنْ اسْتَدَانَ مِنْهُ دِينَارًا وَرَهَنَهُ عَلَيْهِ كِتَابًا وَأَقْبَضَهُ لَهُ ثُمَّ اقْتَرَضَ مِنْهُ دِينَارًا آخَرَ وَجَعَلَ الْكِتَابَ رَهْنًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رَهْنُ مَرْهُونٍ وَالْمَشْغُولُ لَا يُشْغَلُ (وَ) يَصِحُّ (رَهْنُ) كُلِّ (مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيثَاقُ الْمُوَصِّلُ لِلدَّيْنِ (وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّرًا أَوْ مُعَارًا) وَلَوْ لِرَبِّ دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَصَحَّ رَهْنُهُ (وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ) لِانْتِقَالِهَا لِلْأَمَانَةِ إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا الْمُرْتَهِنُ (أَوْ) كَانَ (مَبِيعًا) وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ فَصَحَّ رَهْنُهُ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ (غَيْرَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ) وَمَا بِيعَ بِصِفَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ (قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَنْ فَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ (وَلَوْ) كَانَ رَهْنُ الْمَبِيعِ (عَلَى ثَمَنِهِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنٌ وَالْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي فَجَازَ رَهْنُهُ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ (أَوْ) كَانَ (مُشَاعًا) وَلَوْ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ فِي مُشَاعٍ يُقْسَمُ إجْبَارًا بِأَنْ رَهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ يَمْلِكُ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فَصَحَّ رَهْنُهُ وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فِي الْقِسْمَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَتَصَرَّفُ بِمَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ وَإِذَا رَهَنَهُ الْمُشَاعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُولًا لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّخْلِيَةِ لِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْقَلُ وَرَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ شَرِيكٌ وَمُرْتَهِنٌ بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ (بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ) بِيَدِ (غَيْرِهِمَا جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ أَمَانَةً أَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ أَجَّرَهُ) الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا فَيَجْتَهِدُ فِي الْأَصْلَحِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهِ عَلَيْهِمَا (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (مُكَاتَبًا) لِجَوَازِ بَيْعِهِ وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ (وَيُمَكَّنُ مِنْ كَسْبٍ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْكِتَابَةِ وَهِيَ سَابِقَةٌ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ كِتَابَتِهِ وَرَقَّ (فَهُوَ وَكَسْبُهُ رَهْنٌ)؛ لِأَنَّهُ نَمَاؤُهُ (وَإِنْ عَتَقَ بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ فَمَا أَدَّى بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ رَهْنٌ) كَقِنِّ رَهْنٍ اكْتَسَبَ وَمَاتَ (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (يَسْرُعُ فَسَادُهُ) كَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَبِطِّيخٍ. وَلَوْ رَهَنَهُ (بِمُؤَجَّلٍ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ (وَيُبَاعُ) أَيْ يَبِيعُهُ حَاكِمٌ إنَّ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ لِحِفْظِهِ بِالْبَيْعِ (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ فَيُوَفِّيَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا، وَكَذَا ثِيَابٌ خِيفَ تَلَفُهَا وَحَيَوَانٌ خِيفَ مَوْتُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَعِنَبٍ وَرُطَبٍ جُفِّفَ وَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَاهِنٍ؛ لِأَنَّهَا لِحِفْظِهِ كَمُؤْنَةِ حَيَوَانٍ، وَشَرْطُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ أَوْ يُجَفِّفَهُ فَاسِدٌ لِتَضَمُّنِهِ فَوَاتَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ (أَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (قِنًّا مُسْلِمًا) وَلَوْ بِدَيْنٍ (لِكَافِرٍ إذَا شَرَطَ) فِي الرَّهْنِ (كَوْنَهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ عَدْلٍ كَ) رَهْنِ (كُتُبِ حَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ) لِكَافِرٍ لِأَمْنِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَيَصِحُّ رَهْنُ مُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَهَا قَبْلَ حُلُولِ دَيْنٍ، وَمُرْتَدٍّ وَجَانٍ وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ أَوْ عُفِيَ عَنْ جَانٍ، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ وَلَهُ إمْسَاكُهُ بِلَا أَرْشٍ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ فِدَاءِ الْجَانِي لَمْ يُجْبَرْ وَيُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ لِسَبْقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ (لَا مُصْحَفًا) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى بَيْعِهِ الْمُحَرَّمِ (وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) كَحُرٍّ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَكَلْبٍ وَآبِقٍ وَمَجْهُولٍ (لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ. وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمَسَاكِنِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَنَحْوِهَا وَلَوْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا (سِوَى) رَهْنِ (ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا) بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ. (وَ) سِوَى رَهْنِ (زَرْعٍ أَخْضَرَ بِلَا شَرْطِ قَطْعٍ) فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهَا لِعَدَمِ أَمْنِ الْعَاهَةِ، وَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهَا لَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الدَّيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ. (وَ) سِوَى (قِنٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيَصِحُّ رَهْنُهُ (دُونَ وَلَدِهِ وَنَحْوِهِ) كَوَالِدِهِ وَأَخِيهِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ وَحْدَهُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اُسْتُحِقَّ بَيْعُ الرَّهْنِ (يُبَاعَانِ) مَعًا دَفْعًا لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ (وَيَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِمَا يَخُصُّ الْمَرْهُونَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) فَيُوَفِّي مِنْ دَيْنِهِ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ فَلِلرَّاهِنِ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَبِذِمَّةِ مَدِينٍ فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مَعَ كَوْنِهِ ذَا وَلَدٍ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ خَمْسِينَ فَحِصَّةُ الرَّهْنِ ثُلُثَا الثَّمَنِ (وَلَا يَصِحُّ) رَهْنٌ (بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ) كَرَهَنْتُك وَقَبِلْتُ أَوْ ارْتَهَنْتُ (أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ كَبَاقِي الْعُقُودِ.
(وَشُرِطَ لِلرَّهْنِ) سِتَّةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا (تَنْجِيزُهُ) أَيْ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ. (وَ) الثَّانِي (كَوْنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ، (مَعَ حَقٍّ) كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةٍ إلَى شَهْرٍ تَرْهَنُنِي بِهَا عَبْدَكَ هَذَا فَيَقُولُ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ فَيَصِحُّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَ الْحَقِّ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إلْزَامِ الْمُشْتَرِي بِهِ بَعْدُ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ: الْحَقِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فَجَعَلَهُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَقِّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَابِعٌ لَهُ كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَتَقَدَّمُهُ. (وَ) الثَّالِثُ: كَوْنُ رَاهِنٍ (مِمَّنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ) وَتَبَرُّعُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ. (وَ) الرَّابِعُ (مِلْكُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ لِرَهْنٍ (وَلَوْ لِمَنَافِعِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ (بِإِعَارَةٍ) فَيَصِحُّ رَهْنُ مُؤَجَّرٍ وَمُعَارٍ (بِإِذْنِ مُؤَجِّرٍ وَمُعِيرٍ) وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّيْنَ أَوْ يَصِفْهُ أَوْ يَعْرِفْ رَبَّهُ، لَكِنْ إنَّ شَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أُذِنَ فِي رَهْنِهِ بِقَدْرٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ فِي الْمَأْذُونِ بِهِ دُونَ مَا زَادَ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَيَمْلِكَانِ) أَيْ: الْمُؤَجِّرُ وَالْمُعِيرُ. (الرُّجُوعَ) عَنْ إذْنٍ فِي رَهْنٍ (قَبْلَ إقْبَاضِهِ) أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَ (لَا) يَمْلِكُ مُؤَجِّرٌ الرُّجُوعَ (فِي إجَارَةِ) عَيْنٍ (لِرَهْنٍ قَبْلَ) مُضِيِّ (مُدَّتِهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ لِلُزُومِهَا (وَلِمُعِيرٍ) عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا مُسْتَعِيرٌ (طَلَبُ رَاهِنٍ) لِمُسْتَعَارٍ (بِفَكِّهِ) أَيْ: الرَّهْنِ (مُطْلَقًا) أَيْ: عَيَّنَ مُدَّةَ الرَّهْنِ أَوْ لَا حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا فِي مَحَلِّ الْحَقِّ وَقَبْله؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَلْزَمُ. (وَإِنْ بِيعَ) رَهْنٌ مُؤَجَّرٌ أَوْ مُعَارٍ فِي وَفَاءً دَيْنٍ (رَجَعَ) مُؤَجِّرٌ وَمُعِيرٌ عَلَى رَاهِنٍ (بِمِثْلٍ مِثْلِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ. (وَ) رَجَعَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ أَوْ مَا) أَيْ: ثَمَنٍ (بِيعَ بِهِ) قَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّ بِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَ رَاهِنٌ نَقْصَهُ وَبِأَكْثَرَ قِيمَتِهِ كُلِّهِ لِمَالِكِهِ، إذْ لَوْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ حَقَّهُ مِنْ رَهْنٍ رَجَعَ ثَمَنُهُ كُلُّهُ لِرَبِّهِ فَإِذَا قَضَى بِهِ دَيْنَ الرَّاهِنِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَمَانِ نَقْصِهِ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ لِرَبِّهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ (وَالْمَنْصُوصُ) يَرْجِعُ (بِقِيمَتِهِ) يَوْمَ بَيْعِهِ أَيْ: الْمُتَقَوِّمِ لَا مَا بِيعَ بِهِ كَمَا لَوْ تَلِفَ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَإِنْ تَلِفَ) رَهْنٌ مُعَارٍ أَوْ مُؤَجَّرٌ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ رَاهِنٌ بِبَدَلِهِ، وَبِلَا تَفْرِيطٍ (ضَمِنَ) الرَّاهِنُ (الْمُعَارَ لَا الْمُؤَجَّرَ)؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ، وَالْمُؤَجَّرَةَ أَمَانَةٌ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ. (وَ) الْخَامِسُ (كَوْنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (مَعْلُومًا جِنْسُهُ وَقَدْرُهُ وَصِفَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ كَالْمَبِيعِ. (وَ) السَّادِسُ كَوْنُهُ (بِدَيْنٍ وَاجِبٍ) كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مَآلُهُ إلَيْهِ) أَيْ: الدَّيْنِ الْوَاجِبِ (فَيَصِحُّ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ) كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ (وَمَقْبُوضٍ) عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ و(بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَ) يَصِحُّ (بِنَفْعِ إجَارَةٍ فِي ذِمَّةٍ) كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ وَحَمْلِ مَعْلُومٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَيُمْكِنُ وَفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ. وَ (لَا) يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ (بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ وَ) لَا (بِجُعَلٍ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الدِّيَةِ (وَ) قَبْلَ تَمَامِ (عَمَلٍ) فِي مَسْأَلَةِ الْجُعَلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ (وَيَصِحُّ) رَهْنٌ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ وَبِجُعَلٍ (بَعْدَهُمَا) أَيْ: الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ لِاسْتِقْرَارِهِمَا (وَلَا) يَصِحُّ رَهْنٌ (بِدَيْنِ كِتَابَةٍ) لِفَوَاتِ الْإِرْفَاقِ بِالْأَجَلِ الْمَشْرُوعِ إذْ يُمْكِنُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ وَإِيفَاءُ الْكِتَابَةِ. (وَ) لَا بِ (عُهْدَةِ مَبِيعٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَعُمُّ ضَرَرُهُ بِمَنْعِ الْبَائِعِ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِذَا وَثَّقَ الْبَائِعُ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ مَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَلَا ارْتَفَقَ بِهِ (وَ) لَا بِ (عِوَضٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ كَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ مُعَيَّنَيْنِ وَإِجَارَةِ مَنَافِعِ) عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ كَدَارٍ وَنَحْوِهَا) كَفَرَسٍ وَعَبْدٍ زَمَنًا مُعَيَّنًا (أَوْ دَابَّةٍ لِحَمْلِ مُعَيَّنٍ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْيَانِ هَذِهِ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا بِتَلَفِهَا فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ حَقٌّ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى وَلِيٍّ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ (وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَالِ يَتِيمٍ لِفَاسِقٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِ لِلْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْحَدُ الْفَاسِقُ أَوْ يُفَرِّطُ فِيهِ فَيَضِيعُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: الْيَتِيمِ (مُكَاتَبٌ) وَسَفِيهٌ وَصَغِيرٌ وَمَجْنُونٌ (وَ) قِنٌّ (مَأْذُونٌ لَهُ) فِي تِجَارَةٍ لِاشْتِرَاطِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ رَهَنَ ذِمِّيٌّ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَمْرًا) وَلَوْ شَرَطَ جَعْلَهُ (بِيَدِ ذِمِّيٍّ لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا (فَإِنْ بَاعَهَا) أَيْ: الْخَمْرَ (الْوَكِيلُ) صُورَةً أَيْ: الذِّمِّيُّ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ أَوْ بَاعَهَا رَبُّهَا (حَلَّ) لِرَبِّ دَيْنٍ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ (فَيَقْبِضُهُ) أَيْ: الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا ذِمِّيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَهْنٌ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَهُمْ الْخُمُورُ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا " (أَوْ يُبْرِئُ) رَبُّ الدَّيْنِ (مِنْهُ) وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ رَهْنٍ مِنْ مَدِينٍ وَلَا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنَهُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَأَوْلَى.
(وَلَا يَلْزَمُ رَهْنٌ إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ)؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ كَالضَّمَانِ بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لَهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ كَالْمَضْمُونِ لَهُ (بِقَبْضٍ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ كَالْقَرْضِ وَقَبْضُ رَهْنٍ (كَقَبْضِ مَبِيعٍ) عَلَى مَا سَبَقَ فَيَلْزَمُ بِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَبْضُ (مِمَّنْ اتَّفَقَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ مُرْتَهِنٍ فِي ذَلِكَ، وَعَبْدُ رَاهِنٍ وَأُمُّ وَلَدٍ كَهُوَ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ الْقَبْضِ (إذْنُ وَلِيِّ أَمْرٍ) أَيْ حَاكِمٍ (لِمَنْ جُنَّ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِرْسَامٌ بَعْدَ عَقْدِ رَهْنٍ وَقَبْلَ إقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لِلْحَاكِمِ كَمَا يَأْتِي وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ فِي الْمَالِ، فَاحْتِيجَ إلَى نَظَرٍ فِي الْأَحَظِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَحَظِّ فِي إقْبَاضِهِ كَأَنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ وَالْحَظُّ فِي إتْمَامِهِ أَقْبَضَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَبَضَهُ مُرْتَهِنٌ بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ أَوْ وَلِيِّهِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَإِنْ مَاتَ رَاهِنٌ قَبْلَ إقْبَاضِهِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ كَالْمَيِّتِ وَإِنْ أَحَبَّ إقْبَاضَهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَيِّتِ سِوَى هَذَا الدَّيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ (وَلَيْسَ لِوَرَثَةِ) رَاهِنٍ (إقْبَاضُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (ثُمَّ غَرِيمٍ) لِلْمَيِّتِ (لَمْ يَأْذَنْ) فِيهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِرَهْنٍ لَمْ يَلْزَمْ، وَسَوَاءٌ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَعْدَهُ لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِهِمَا (وَلِرَاهِنٍ الرُّجُوعُ) فِي رَهْنٍ أَيْ فَسْخُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْإِقْبَاضِ (وَلَوْ أَذِنَ) الرَّاهِنُ (فِيهِ) أَيْ: الْقَبْضِ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ إذَنْ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ فَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِيهِ أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ أَقْبَضَ الثَّانِي أَوْ لَا، لِخُرُوجِهِ عَنْ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ وَإِنْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَاسْتِخْدَامِهِ (وَيَبْطُلُ إذْنُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ فِي الْقَبْضِ (بِنَحْوِ إغْمَاءٍ) وَحَجْرٍ لِسَفَهٍ (وَخَرَسٍ) وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ فَكَمُتَكَلِّمٍ (وَإِنْ رَهَنَهُ) أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ (مَا) أَيْ عَيْنًا مَالِيَّةً (بِيَدِهِ) أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونَةً (وَلَوْ) كَانَتْ (غَصْبًا) صَحَّ الرَّهْنُ و(لَزِمَ) بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ كَهِبَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الْقَبْضِ قَبْضٌ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَيُمْكِنُ تَغَيُّرُهُ مَعَ اسْتِدَامَةِ الْقَبْضِ كَوَدِيعَةٍ جَحَدَهَا مُودَعٌ فَصَارَتْ مَضْمُونَةً ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا فَصَارَتْ أَمَانَةً بِإِبْقَاءِ رَبِّهَا لَهَا عِنْدَهُ (وَصَارَ) مَضْمُونًا كَغَصْبٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ (أَمَانَةً) لَا يَضْمَنُهُ مُرْتَهِنٌ بِتَلَفِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لِلْإِذْنِ لَهُ فِي إمْسَاكِهِ رَهْنًا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْهُ فِيهِ عُدْوَانٌ وَلِزَوَالِ مُقْتَضِي الضَّمَانِ وَحُدُوثِ سَبَبٍ يُخَالِفُهُ (وَاسْتِدَامَةُ قَبْضِ) رَهْنٍ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (شَرْطٌ لِ) بَقَاءِ (لُزُومِ) عَقْدٍ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إحْدَى حَالَتَيْ الرَّهْنِ فَكَانَتْ شَرْطًا كَابْتِدَاءِ الْقَبْضِ (فَيُزِيلُهُ) أَيْ: اللُّزُومَ (أَخَذَ رَاهِنٍ) رَهْنًا (بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ) لَهُ فِي أَخْذِهِ (وَلَوْ) أَخَذَهُ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ (نِيَابَةً لَهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ كَإِيدَاعٍ لِزَوَالِ الِاسْتِدَامَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ اللُّزُومِ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ مُرْتَهِنٍ غَصْبًا أَوْ أَبِقَ مَرْهُونٌ أَوْ شَرَدَ أَوْ سَرَقَ لَمْ يَزُلْ لُزُومُهُ لِثُبُوتِ يَدِ مُرْتَهِنٍ عَلَيْهِ حُكْمًا (وَ) يُزِيلُ لُزُومَهُ (تَخَمُّرُ عَصِيرٍ) رُهِنَ لِمَنْفَعَةٍ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ اللُّزُومِ وَتَجِبُ إرَاقَتُهُ فَإِنْ أُرِيقَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ (وَيَعُودُ) لُزُومُ رَهْنٍ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ (بِرَدِّهِ) إلَى مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ. (وَ) يَعُودُ لُزُومُهُ فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ وَلَمْ يُرَقْ ثُمَّ (تَخَلَّلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ)؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ مَلْسَكًا بِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَيَعُودُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ. وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ رَهْنُهُ وَلَمْ يَعُدْ بِعَوْدِهِ لِضَعْفِهِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ، كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ أُرِيقَ وَجُمِعَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَلِجَامِعِهِ (وَإِنْ أَجَرَهُ) أَيْ الرَّهْنَ رَاهِنٌ لِشَخْصٍ (أَوْ أَعَارَهُ) رَاهِنٌ (لِمُرْتَهِنٍ أَوْ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (فَلُزُومُهُ) أَيْ: الرَّهْنِ (بَاقٍ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَمْ يُفْسِدْ الْقَبْضَ (وَإِنْ وَهَبَهُ) أَيْ وَهَبَ رَاهِنٌ الرَّهْنَ (وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ وَقَفَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ جَعَلَهُ عِوَضًا فِي صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (صَحَّ) تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ (وَبَطَلَ الرَّهْنُ)؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يَمْنَعُ الرَّهْنَ ابْتِدَاءً فَامْتَنَعَ مَعَهُ دَوَامًا (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ رَاهِنٌ رَهْنًا (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (وَالدَّيْنُ حَالٌّ) صَحَّ الْبَيْعُ لِلْإِذْنِ فِيهِ و(أَخَذَ) الدَّيْنَ (مِنْ ثَمَنِهِ)؛ لِأَنَّ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْإِذْنِ بِالْبَيْعِ عَلَى الرِّضَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا مُقْتَضَى لِتَأْخِيرِ وَفَائِهِ، فَوَجَبَ دَفْعُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ. (وَإِنْ شَرَطَ فِي) إذْنٍ فِي بَيْعِ رَهْنٍ بِدَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ رَهْنَ ثَمَنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (مَكَانَهُ فَعَلَ) أَيْ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا بِيعَ كَانَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِرِضَاهُمَا بِإِبْدَالِ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ (وَإِلَّا) يُشْتَرَطُ كَوْنُ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ (بَطَلَ) الرَّهْنُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي هِبَتِهِ. وَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ مُؤَجَّلٍ مِنْ ثَمَنِهِ صَحَّ الْبَيْعُ (وَشَرْطُ تَعْجِيلِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ (لَاغٍ)؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ أَخْذُ قِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ مُدَّةِ الْأَجَلِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِذْنِ فَقَدْ أَذِنَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْمُقَابِلُ لِبَاقِي مُدَّة الْأَجَلِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِ رَهْنِ ثَمَنِهِ مَكَانَهُ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُ رَاهِنٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ) لِرَاهِنٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (قَبْلَ وُقُوعِهِ) لِعَدَمِ لُزُومِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ فِعْلِهِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ تَصَرُّفٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ قَالَ مُرْتَهِنٌ كُنْتُ رَجَعْتُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ وَقَالَ رَاهِنٌ بَعْدَهُ فَقِيلَ يُقْبَلُ قَوْلُ مُرْتَهِنٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي، وَقِيلَ قَوْلُ رَاهِنٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ (وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ لِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَلَوْ (بِلَا إذْنِ) مُرْتَهِنٍ مُوسِرًا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ مُعْسِرًا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ فَنَفَذَ كَعِتْقِ الْمُؤَجَّرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ. (وَيَحْرُمُ) عِتْقُ رَاهِنٍ لِرَهْنٍ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ وَإِذَا نَجَّزَهُ) أَيْ الْعِتْقَ رَاهِنٌ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ قَبْلَ فَكِّهِ (أَوْ أَقَرَّ) رَاهِنٌ (بِهِ) أَيْ بِعِتْقِهِ قَبْلَ رَهْنٍ (فَكَذَّبَهُ) مُرْتَهِنٌ (أَوْ أَحْبَلَ) رَاهِنٌ (الْأَمَةَ) الْمَرْهُونَةَ (بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ فِي وَطْءٍ) وَبِلَا اشْتِرَاطِهِ فِي رَهْنٍ (أَوْ ضَرَبَهُ) أَيْ الرَّهْنَ رَاهِنٌ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (فَتَلِفَ) بِهِ رَهْنٌ (وَيُصَدَّقُ) مُرْتَهِنٌ (بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِهِ. (وَ) يُصَدَّقُ (وَارِثُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي عَدَمِهِ) أَيْ الْإِذْنِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (فَعَلَى) رَاهِنٍ (مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ أَيْسَرَ قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ الْفَائِتِ عَلَى مُرْتَهِنٍ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ تَكُونُ (رَهْنًا) مَكَانَهُ كَبَدَلِ أُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِإِبْطَالِهِ حَقَّ مُرْتَهِنٍ مِنْ الْوَثِيقَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ أَبْطَلَهَا أَجْنَبِيٌّ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حَالَ إعْتَاقِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ إحْبَالٍ أَوْ ضَرْبٍ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ فَمَاتَ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ حَالَ جُرْحٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ حَلَّ طُولِبَ بِهِ خَاصَّةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِهِ مِنْ الْحَقَّيْنِ مَعًا فَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا عِوَضَ لَهُ حَتَّى فِي الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْإِحْبَالِ وَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ فَإِذْنُهُ فِي سَبَبِهِ إذْنٌ فِيهِ (وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ) بَعْدَ وِلَادَةِ مَرْهُونَةٍ (أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَأَمْكَنَ) كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مُنْذُ وَطْئِهَا (وَأَقَرَّ مُرْتَهِنٌ بِوَطْئِهِ) أَيْ الرَّهْنِ لَهَا (وَ) أَقَرَّ مُرْتَهِنٌ (بِإِذْنِهِ) لِرَاهِنٍ فِي وَطْءٍ. (وَ) أَقَرَّ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمَرْهُونَةَ (وَلَدَتْهُ، قُبِلَ) قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ شَرْعًا لَا بِدَعْوَاهُ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ كَوْنُهُ وُلِدَ مِنْ رَاهِنٍ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ وَعَاشَ أَوْ أَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ أَوْ قَالَ أَذِنْتُ فِي وَطْءٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ وَلَدَهَا بَلْ اسْتَعَارَتْهُ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَاهِنٍ فِي بُطْلَانِ رَهْنِ الْأَمَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ وَضْعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ وَبَقَاءُ التَّوَثُّقِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ (وَإِنْ) أَنْكَرَ مُرْتَهِنٌ الْإِذْنَ وَأَقَرَّ بِمَا سِوَاهُ خَرَجَتْ الْأَمَةُ مِنْ الرَّهْنِ وَعَلَى الرَّاهِنِ قِيمَتُهَا مَكَانَهَا إنْ وَطِئَ رَاهِنٌ مَرْهُونَةً بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنٍ و(لَمْ تَحْبَلْ فَ) عَلَيْهِ (أَرْشُ بِكْرٍ فَقَطْ) يُجْعَلُ رَهْنًا مَعَهَا كَجِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَقَرَّ رَاهِنٌ بِوَطْءٍ حَالَ عَقْدٍ أَوْ قَبْلَ لُزُومِهِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ فَإِنْ بَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ بِمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا خِيَارَ لِمُرْتَهِنٍ وَلَوْ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ لِدُخُولِ بَائِعٍ عَالِمًا بِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ رَهْنًا وَبَعْدَ لُزُومِهِ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ لَا يُقْبَلُ عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَيَأْتِي (وَلِرَاهِنِ غَرْسٍ مَا) أَيْ أَرْضٍ (رَهَنَ عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ)؛ لِأَنَّ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِهَا إلَى حُلُولِ دَيْنٍ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فَكِّ الرَّهْنِ بِالْوَفَاءِ أَوْ بَيْعِهِ، فَلَا يُعَطَّلُ نَفْعُهَا، وَيَكُونُ الْغَرْسُ رَهْنًا مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَائِهَا سَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْكَافِي (وَ) لِرَاهِنٍ (انْتِفَاعٌ) بِرَهْنٍ مُطْلَقًا (بِإِذْنِ مُرْتَهِنٍ وَ) لَهُ (وَطْءُ) مَرْهُونَةٍ (بِشَرْطِ) وَطْئِهَا (أَوْ إذْنِ) مُرْتَهِنٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إذْنٌ وَلَا شَرْطٌ حَرُمَ ذَلِكَ (وَ) لِرَاهِنٍ (سَقْيُ شَجَرٍ وَتَلْقِيحُ) نَخْلٍ (وَإِنْزَاءُ فَحْلٍ عَلَى مَرْهُونَةٍ وَمُدَاوَاةٌ وَفَصْدٌ وَنَحْوَهُ) كَتَعْلِيمِ قِنٍّ صِنَاعَةً وَدَابَّةٍ سَيْرًا؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِرَهْنٍ وَزِيَادَةٌ فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَنْعَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ فَحْلًا فَلَيْسَ لِرَاهِنٍ إطْرَاقُهُ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ إلَّا إذَا تَضَرَّرَ بِتَرْكِ الْإِطْرَاقِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُدَاوَاةِ لَهُ (وَالرَّهْنُ) مَعَ ذَلِكَ (بِحَالِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُفْسِدٌ وَلَا مُزِيلٌ لِلُزُومِهِ و(لَا) يَجُوزُ لِرَاهِنٍ (خِتَانُ) مَرْهُونٍ (غَيْرِ مَا عَلَى) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ يَبْرَأُ) جُرْحُهُ (قَبْلَ أَجَلِهِ) أَيْ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِهِ ثَمَنُهُ (وَ) لَا (قَطْعُ سِلْعَةٍ خَطِرَةٍ) مِنْ مَرْهُونٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا بِخِلَافِ آكِلِهِ فَلَهُ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ قَطْعِهَا لَا مِنْ تَرْكِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ خَطِرَةً فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَيْسَ لِرَاهِنٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِلَا إذْنِ مُرْتَهِنٍ بِاسْتِخْدَامٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ غَيْرِهَا وَتَكُونُ مَنَافِعُهُ مُعَطَّلَةً إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى نَحْوِ إجَارَتِهِ حَتَّى يَنْفَكَّ الرَّهْنُ (وَنَمَاؤُهُ) أَيْ الرَّهْنِ الْمُتَّصِلِ كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ وَالْمُنْفَصِلِ (وَلَوْ صُوفًا وَلَبَنًا) وَوَرَقَ شَجَرٍ مَقْصُودًا رَهْنٌ (وَكَسْبُهُ) أَيْ الرَّهْنِ رَهْنٌ (وَمَهْرُهُ) إنْ كَانَ أَمَةً حَيْثُ وَجَبَ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّهْنِ (رَهْنٌ)؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهِ فَكَانَ مِنْهُ كَقِيمَتِهِ لَوْ أُتْلِفَ (وَإِنْ أَسْقَطَ مُرْتَهِنٌ) عَنْ جَانٍ عَلَى رَهْنٍ (أَرْشًا) لَزِمَهُ (أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ سَقَطَ حَقُّهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (مِنْهُ) أَيْ الْأَرْشِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا مَعَ أَصْلِهِ (دُونَ حَقِّ رَاهِنٍ) فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ تَصَرُّفٌ عَلَيْهِ فِيهِ (وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (وَأُجْرَةُ مُخَزِّنِهِ) إنْ احْتَاجَ لِخَزْنٍ عَلَى مَالِكِهِ (وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهِ مِنْ إبَاقِهِ) أَوْ شُرُودِهِ إنْ وَقَعَا (عَلَى مَالِكِهِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ} رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ (كَكَفَنِهِ) إنْ مَاتَ، فَعَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُؤْنَتِهِ وَإِذَا تَعَذَّرَ) إنْفَاقٌ عَلَيْهِ أَوْ أُجْرَةُ مُخَزِّنِهِ أَوْ رَدُّهُ مِنْ إبَاقِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَالِكِهِ لِعُسْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهِ (بِيعَ) مِنْ رَهْنٍ (بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) إلَى ذَلِكَ (أَوْ) بِيعَ (كُلُّهُ إنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُهُ) لِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا.
وَالرَّهْنُ بِيَدِ مُرْتَهِنٍ أَوْ مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ (أَمَانَةٌ وَلَوْ قَبْلَ عَقْدٍ) عَلَيْهِ نَصًّا (كَبَعْدَ وَفَاءِ) دَيْنٍ أَوْ إبْرَاءٍ مِنْهُ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهُ خَوْفَ ضَمَانِهِ فَتَتَعَطَّلُ الْمُدَايَنَاتُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ نَائِبِهِ (بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ) فِيهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ (وَلَا يَبْطُلُ) الرَّهْنُ بِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ لِجَمْعِ الْعَقْدِ أَمَانَةً وَاسْتِيثَاقًا فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ (وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ نَصًّا لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ قَبْلَ التَّلَفِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ بِحَالِهِ وَحَدِيثُ عَطَاءٍ {أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا فَنَفَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: ذَهَبَ حَقُّكَ} مُرْسَلٌ، وَكَانَ يُفْتِي بِخِلَافِهِ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ذَهَاب حَقِّهِ مِنْ الْوَثِيقَةِ و(كَدَفْعِ عَيْنٍ) لِغَرِيمِهِ (لِيَبِيعَهَا وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَكَحَبْسِ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ بَعْدَ فَسْخِ) إجَارَةٍ (عَلَى الْأُجْرَةِ) الْمُعَجَّلَةِ (فَيَتْلَفَانِ) أَيْ الْعَيْنَانِ، وَالْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ أَنَّهَا عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ فِي يَدِهِ بِعَقْدٍ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْحَقِّ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ كُلِّهِ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الرَّهْنِ (وَإِنْ ادَّعَى) مُرْتَهِنٌ (تَلَفَهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بِحَادِثٍ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ) بِوُجُودِ حَادِثٍ (ظَاهِرٍ) ادَّعَى التَّلَفَ بِهِ، كَنَهْبٍ وَحَرِيقٍ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ وَبَرِئَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ السَّبَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ (أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا حَلَفَ) وَبَرِئَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ (وَإِنْ ادَّعَى رَاهِنٌ تَلَفَهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بَعْدَ قَبْضٍ فِي بَيْعٍ شُرِطَ) الرَّهْنُ (فِيهِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُرْتَهِنِ إنَّهُ) تَلِفَ (قَبْلَهُ) فَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَشَرَطَ عَلَى مُشْتَرٍ رَهْنًا مُعَيَّنًا بِالثَّمَنِ ثُمَّ تَلِفَ الرَّهْنُ، فَقَالَ بَائِعٌ: تَلِفَ قِبَلَ أَنْ أَقْبِضَهُ فَلِي فَسْخُ الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَقَالَ مُشْتَرٍ: تَلِفَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا خِيَارَ لَك لِلْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ فَقَوْلُ مُرْتَهِنٍ وَهُوَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ (وَلَا يَنْفَكُّ بَعْضُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ كُلَّهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَثِيقَةِ بِجَمِيعِ الرَّهْنِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ مِمَّا يَنْقَسِمُ إجْبَارًا، أَوْ قَضَى أَحَدُ الْوَارِثِينَ حِصَّتَهُ مِنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَخْذَ حِصَّتِهِ مِنْ الرَّهْنِ (وَمَنْ قَضَى) بَعْضَ دَيْنٍ عَلَيْهِ (أَوْ أَسْقَطَ) عَنْ مَدِينِهِ (بَعْضَ دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَبِبَعْضِهِ) أَيْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ (رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ وَقَعَ) قَضَاءُ الْبَعْضِ أَوْ إسْقَاطٌ (عَمَّا نَوَاهُ) قَاضٍ وَمَسْقِطٌ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ عَمَّا عَلَيْهِ الرَّهْنُ أَوْ بِهِ الْكَفِيلُ وَهُوَ بِقَدْرِهِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَإِذَا أَطْلَقَ) قَاضٍ وَمُسْقِطٌ نِيَّةَ الْقَضَاءِ وَالْإِسْقَاطِ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (صَرَفَهُ) أَيْ الْبَعْضَ بَعْدَهُ (إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ) لَمِلْكِهِ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ فَمَلَكَهُ بَعْدُ كَمَنْ أَدَّى قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِ مَالَيْهِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ فَلَهُ صَرْفُهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ (وَإِنْ رَهَنَهُ) أَيْ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (عِنْدَ اثْنَيْنِ) بِدَيْنٍ لَهُمَا (فَ) كُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَهَنَ نِصْفَهُ فَمَتَى (وَفَّى) رَاهِنُ (أَحَدِهِمَا) دَيْنَهُ انْفَكَّ نَصِيبُهُ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَاحِدٌ مَعَ اثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ لَا تُنْقِصُهُ الْقِسْمَةُ كَمَكِيلٍ فَلِرَاهِنٍ مُقَاسَمَةُ مَنْ لَمْ يُوَفِّهِ وَأَخَذُ نَصِيبِ مَنْ وَفَّاهُ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ قِسْمَتُهُ لِضَرَرِ الْمُرْتَهِنِ وَيَبْقَى بِيَدِهِ نِصْفُهُ رَهْنًا وَنِصْفُهُ وَدِيعَةً (أَوْ رَهَنَاهُ) أَيْ رَهَنَ اثْنَانِ وَاحِدًا (شَيْئًا فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ (انْفَكَّ) الرَّهْنُ (فِي نَصِيبِهِ) أَيْ الْمُوَفِّي لِمَا عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ وَكُلُّ رُبْعٍ مِنْ الْعَبْدِ رَهْنٌ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَمَتَى قَضَاهَا أَحَدُهُمَا انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ ذَلِكَ الْقَدْرُ (وَمَنْ أَبَى وَفَاءَ) دَيْنٍ (حَالٍّ) عَلَيْهِ (وَقَدْ أَذِنَ فِي بَيْعِ رَهْنٍ وَلَمْ يَرْجِعْ) عَنْ إذْنِهِ (بِيعَ) أَيْ بَاعَ الرَّهْنَ (مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ) أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ (وَوُفِّيَ) مُرْتَهِنٌ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ إذْنٌ فِي بَيْعِهِ أَوْ كَانَ إذْنٌ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَبِعْ وَرَفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ (فَأُجْبَرَ) رَاهِنٌ (عَلَى بَيْعِ) رَهْنٍ لِيُوَفِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ (أَوْ) عَلَى (وَفَاءِ) دَيْنٍ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ الْوَفَاءُ وَإِذَا أَبَى) رَاهِنٌ بَيْعًا وَوَفَاءً (حُبِسَ أَوْ عُزِّرَ) أَيْ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ أَوْ عَزَّرَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِذَا أَصَرَّ) عَلَى امْتِنَاعٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْحَاكِمُ) نَصًّا بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ (وَوَفَّى) حَاكِمٌ الدَّيْنَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ وَكَذَا لَوْ غَابَ رَاهِنٌ بَاعَهُ حَاكِمٌ وَلَا يَبِيعُهُ مُرْتَهِنٌ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ أَوْ الْحَاكِمِ.
يَعْنِي جَائِزَ التَّصَرُّفِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي قَبْضٍ فِي عَقْدٍ فَجَازَ كَغَيْرِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ قَامَ مَقَامَ قَبْضِ مُرْتَهِنٍ بِخِلَافِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ وَمُكَاتَبٍ بِلَا جَعْلٍ (وَإِنْ شُرِطَ) جَعْلُ رَهْنٍ (بِيَدِ أَكْثَرَ) مِنْ عَدْلٍ كَاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَازَ، فَيُجْعَلُ فِي مَخْزَنٍ عَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُفْلٌ (وَلَمْ يَنْفَرِدْ وَاحِدٌ) مِنْهُمْ (بِحِفْظِهِ)؛ لِأَنَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا إلَّا بِحِفْظِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ كَالْإِيصَاءِ لِعَدَدٍ وَتَوْكِيلِهِ (وَلَا يُنْقَلُ) رَهْنٌ (عَنْ يَدِ مَنْ شُرِطَ) كَوْنُهُ بِيَدِهِ (مَعَ بَقَاءِ حَالِهِ) أَيْ أَمَانَتِهِ (إلَّا بِاتِّفَاقِ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلِلْمَشْرُوطِ جَعْلُهُ تَحْتُ يَدِهِ رَدُّهُ عَلَى رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ؛ لِتَطَوُّعِهِ بِالْحِفْظِ، وَعَلَيْهِمَا قَبُولُهُ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَا أُجْبِرَا فَإِنْ تَغَيَّبَا نَصَّبَ حَاكِمٌ أَمِينًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا، لِوِلَايَتِهِ عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَتَرَكَهُ عِنْدَ عَدْلٍ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعَا، وَدَفَعَهُ عَدْلٌ أَوْ حَاكِمٌ إلَى آخَرَ ضَمِنَهُ دَافِعٌ وَقَابِضٌ آخَرَ، وَإِنْ غَابَ مُتَرَاهِنَانِ وَأَرَادَ الْمَشْرُوطُ جَعْلُهُ عِنْدَهُ، رَدَّهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ دَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ أَوْ يُنَصِّبُ لَهُ عَدْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، أَوْدَعَهُ ثِقَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَغَيْبَتُهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ قَبَضَهُ حَاكِمٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ دَفَعَهُ إلَى عَدْلٍ، وَإِنْ غَابَا دُونَ الْمَسَافَةِ فَكَحَاضِرَيْنِ وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا فَكَمَا لَوْ غَابَا (وَلَا يَمْلِكُ) الْعَدْلُ (رَدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا) بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ أَوْ سَكَتَ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِحَظِّ الْآخَرِ وَإِذَا فَعَلَ) أَيْ رَدَّهُ لِأَحَدِهِمَا، بِلَا إذْنِ الْآخَرِ (وَفَاتَ) الرَّهْنُ عَلَى الْآخَرِ (ضَمِنَ) الْعَدْلُ (حَقَّ الْآخَرِ) مِنْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَدَّهُ الدَّافِعُ إلَى يَدِ نَفْسِهِ، لِيُوَصِّلَ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ الرَّهْنَ (مُرْتَهِنٌ بِغَصْبِهِ) مِنْ الْعَدْلِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ (وَيَزُولُ) الْغَصْبُ وَالضَّمَانُ (بِرَدِّهِ) إلَى الْعَدْلِ لِنِيَابَةِ يَدِهِ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ كَمَا لَوْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ و(لَا) يَزُولُ حُكْمُ ضَمَانِهِ بِرَدِّ رَهْنٍ (مِنْ سَفَرٍ) لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ رَاهِنٌ (مِمَّنْ) هُوَ (بِيَدِهِ) مِنْ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَيْ لَوْ سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالرَّهْنِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ فَإِنْ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ لَمْ يَزُلْ ضَمَانُهُ بِمُجَرَّدِ عَوْدِهِ (وَلَا بِزَوَالِ تَعَدِّيهِ) عَلَى الرَّهْنِ كَمَا لَوْ لَبِسَ الْمَرْهُونَ لَا لِمَصْلَحَتِهِ ثُمَّ خَلَعَهُ لِزَوَالِ اسْتِئْمَانِهِ فَلَمْ يَعُدْ يَفْعَلْهُ مَعَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ فَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ لَهُ زَالَ الضَّمَانُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِرَدِّ رَهْنٍ بِخِلَافِ وَدِيعَةٍ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِبَلَدِ الرَّهْنِ مِنْ الْبَيْعِ بِنَقْدِهِ وَبَيْعِهِ فِيهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا (وَإِنْ حَدَثَ لَهُ) أَيْ الْمَشْرُوطِ جَعْلِ الرَّهْنِ عِنْدَهُ (فِسْقٌ أَوْ نَحْوِهِ) كَضَعْفٍ عَنْ حِفْظٍ (أَوْ تَعَادَى) الْعَدْلُ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَرَاهِنَيْنِ (أَوْ مَاتَ) الْعَدْلُ (أَوْ) مَاتَ (مُرْتَهِنٌ) عِنْدَهُ الرَّهْنُ (وَلَمْ يَرْضَ رَاهِنٌ بِكَوْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (بِيَدِ وَرَثَةٍ أَوْ) بِيَدِ (وَصِيٍّ) لَهُ أَوْ حَدَثَ لِلْمُرْتَهِنِ فِسْقٌ وَنَحْوَهُ وَالرَّهْنُ بِيَدِهِ (جَعَلَهُ حَاكِمٌ بِيَدِ أَمِينٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ حُقُوقِهِمَا وَقَطْعِ نِزَاعِهِمَا مَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَضْعِهِ بِيَدِ آخَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَغَيُّرِ حَالِ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ بَحَثَ حَاكِمٌ عَنْهُ وَعَمِلَ بِمَا بَانَ لَهُ. (وَإِنْ أَذِنَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (لَهُ) أَيْ الْعَدْلِ فِي بَيْعِ رَهْنٍ (أَوْ) أَذِنَ (رَاهِنٌ لِمُرْتَهِنٍ فِي بَيْعِ) رَهْنٍ (وَعُيِّنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِعَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ (نَقْدٌ تَعَيَّنَ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِغَيْرِهِ (وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لَهُ نَقْدٌ (بِيعَ) رَهْنٌ (بِنَقْدِ الْبَلَدِ) إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَقْدًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ الْأَحَظُّ لِرَوَاجِهِ وَإِذَا تَعَدَّدَ) نَقْدُ الْبَلَدِ (فَبِأَغْلَبِ) رَوَاجًا يُبَاعُ لِمَا سَبَقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ) فِيهِ أَغْلَبُ (فَ) إنَّهُ يُبَاعُ (بِجِنْسِ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وَفَاءِ الْحَقِّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ) فِيهِ جِنْسُ الدَّيْنِ (فَ) إنَّهُ يُبَاعُ (بِمَا يَرَاهُ) مَأْذُونٌ لَهُ فِي بَيْعٍ (أَصْلَحَ)؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الْأَحَظِّ وَإِذَا تَرَدَّدَ) رَأْيُهُ أَوْ اخْتَلَفَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ عَلَى عَدْلٍ فِي تَعْيِينِ نَقْدٍ (عَيَّنَهُ) أَيْ النَّقْدَ (حَاكِمٌ)؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْأَحَظِّ، وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ (وَتَلَفُهُ) أَيْ ثَمَنِ الرَّهْنِ (بِيَدِ عَدْلٍ) بِلَا تَفْرِيطٍ (مِنْ ضَمَانِ رَاهِنٍ)؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ مِلْكُهُ وَهُوَ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ فَيَضِيعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ، وَإِنْ أَنْكَرَ رَاهِنٌ وَمُرْتَهِنٌ قَبْضَ عَدْلٍ ثَمَنًا وَادَّعَاهُ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ رَهْنٌ بِيعَ) أَيْ بَانَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِ رَاهِنٍ (رَجَعَ مُشْتَرٍ، أُعْلِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أَعْلَمَهُ بَائِعٌ مِنْ عَدْلٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي بَيْعِهِ (عَلَى رَاهِنٍ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ تَلِفَ بِيَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ نَائِبٌ عَنْهُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ وَأُعْلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ لِيُسَلِّمَهُ إلَى مُرْتَهِنٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الثَّمَنَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فَسَادُ الرَّهْنِ فَلَهُ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ، وَإِنْ رَدَّهُ مُشْتَرٍ بِعَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مُرْتَهِنٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحَقٍّ وَلَا عَلَى عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَتَعَيَّنَ رَاهِنٌ (وَإِلَّا) يُعْلِمْ عَدْلٌ أَوْ مُرْتَهِنٌ مُشْتَرِيًا أَنَّهُ وَكِيلٌ (فَعَلَى بَائِعٍ) يَرْجِعُ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَيَرْجِعُ بَائِعٌ عَلَى رَاهِنٍ إنْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَلِفَ رَهْنٌ بِيعَ بِيَدِ مُشْتَرٍ ثُمَّ بَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ دَفْعِ ثَمَنِهِ فَلِرَبِّهِ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ غَاصِبٍ وَعَدْلٍ وَمُشْتَرٍ - وَفِي الْمُغْنِي - وَالْمُرْتَهِنِ يَعْنِي إنْ كَانَ حَصَلَ بِيَدِهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِتَضْمِينِهِ، وَقَرَارُ ضَمَانِهِ عَلَى مُشْتَرٍ لِتَلَفِهِ بِيَدِهِ وَدُخُولِهِ عَلَى ضَمَانِهِ (وَإِنْ قَضَى) عَدْلٌ بِثَمَنِ رَهْنٍ (مُرْتَهِنًا) دَيْنَهُ (فِي غِيبَةِ رَاهِنٍ فَأَنْكَرَ) مُرْتَهِنٌ الْقَضَاءَ (وَلَا بَيِّنَةَ) بِهِ لِلْعَدْلِ (ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ مَدِينٌ فَإِنْ حَضَرَ رَاهِنٌ الْقَضَاءَ لَمْ يَضْمَنْ الْعَدْلُ وَكَذَا إنْ أَشْهَدَ الْعَدْلُ وَلَوْ غَابَ شُهُودُهُ أَوْ مَاتُوا إنْ صَدَّقَهُ رَاهِنٌ (وَلَا يُصَدَّقُ) الْعَدْلُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، أَمَّا الرَّاهِنُ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ بِهِ وَهُوَ لَمْ يَبْرَأْ بِهَذَا وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَكِيلِهِ فِيهِ (فَيَحْلِفُ مُرْتَهِنٌ) أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ (وَيَرْجِعُ) بِدَيْنِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ عَدْلٍ وَرَاهِنٍ وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ لَمْ يَرْجِعْ) الْعَدْلُ (عَلَى أَحَدٍ) لِدَعْوَاهُ ظُلْمَ مُرْتَهِنٍ لَهُ وَأَخَذُ الْمَالِ مِنْهُ ثَانِيًا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِنْ رَجَعَ) مُرْتَهِنٌ (عَلَى رَاهِنٍ رَجَعَ) الرَّاهِنُ (عَلَى الْعَدْلِ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ كَمَا لَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ بِتَفْرِيطِهِ (وَكَذَا وَكِيلٌ) فِي قَضَاءِ دَيْنٍ إذَا قَضَاهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلٍ وَلَمْ يُشْهِدْ فَيَضْمَنُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَصِحُّ شَرْطُ كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ) فِيهِ (كَ) شَرْطِ (بَيْعِ مُرْتَهِنٍ) لِرَهْنٍ. (وَ) كَشَرْطِ بَيْعِ (عَدْلٍ لِرَهْنٍ) عِنْدَ حُلُولِ دَيْنٍ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَشَرْطِ جَعْلِهِ بِيَدِ مُعَيَّنٍ فَأَكْثَرَ (وَيُعْزَلَانِ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ وَالْعَدْلُ إذَا أَذِنَهُمَا فِي الْبَيْعِ (بِعَزْلِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ لَهُمَا نَصًّا وَبِمَوْتِهِ وَحَجْرٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ فَلَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ. وَ (لَا) يَصِحُّ شَرْطُ (مَا لَا يَقْتَضِيهِ) عَقْدُ رَهْنٍ (أَوْ) مَا (يُنَافِيهِ) أَيْ الرَّهْنُ. فَالْأَوَّلُ (كَ) شَرْطِ (كَوْنِ مَنَافِعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَلَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا شَرْطُهُ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ وَإِلَّا فَالرَّاهِنُ لَهُ وَتَقَدَّمَ (أَوْ) كَشَرْطِ (أَنْ لَا يَقْبِضَهُ) الرَّاهِنُ (أَوْ) أَنْ (لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ حُلُولِ) دَيْنٍ (أَوْ) كَوْنَهُ (مِنْ ضَمَانِ مُرْتَهِنٍ) فَلَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهِ الرَّهْنَ وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا يُنَافِيهِ (وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ لِحَدِيثِ {لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ} رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، حَيْثُ سَمَّاهُ رَهْنًا.
وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الرَّهْنَ (عَصِيرٌ أَوْ خَمْرٌ فِي عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ) رَهْنُهُ بِأَنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ بِهِ هَذَا الْعَصِيرَ وَقَبَضَهُ ثُمَّ عَلِمَهُ خَمْرًا فَقَالَ مُشْتَرٍ: أَقَبَضْتُكَ عَصِيرًا وَتَخَمَّرَ عِنْدَك فَلَا فَسْخَ لَك، لِأَنِّي وَفَّيْتُكَ بِالشَّرْطِ وَقَالَ بَائِعٌ: كَانَ تَخَمَّرَ قَبْلَ قَبْضٍ فَلِي الْفَسْخُ لِلشَّرْطِ، فَقَوْلُ رَاهِنٍ أَيْ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (رَدِّ رَهْنٍ) بِأَنَّ ادَّعَاهُ مُرْتَهِنٌ وَأَنْكَرَهُ رَاهِنٌ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمُرْتَهِنُ قَبَضَ الرَّهْنَ لِمَنْفَعَتِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَمُسْتَعِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي عَيْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ، بِأَنْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ: بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَا رَهَنَهُ الْجَارِيَةَ، وَخَرَجَ الْعَبْدُ أَيْضًا مِنْ الرَّهْنِ لِاعْتِرَافِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَدْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ مُرْتَهِنٌ: بَلْ هُوَ وَهَذَا الْآخَرُ، فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ،؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (دَيْنٍ بِهِ) كَأَنْ يَقُولَ رَاهِنٌ: رَهَنْتُكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ مُرْتَهِنٌ: بِأَلْفَيْنِ فَقَوْلُ رَاهِنٍ بِيَمِينِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ وَافَقَ قَوْلُ مُرْتَهِنٍ الدَّيْنَ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (قَبْضِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (وَلَيْسَ) الرَّهْنُ (بِيَدِ مُرْتَهِنٍ) عِنْدَ اخْتِلَافٍ (فَقَوْلُ رَاهِنٍ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ مُرْتَهِنٍ فَقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ وَقَالَ الرَّاهِنُ: هُوَ رَهْنٌ بِالْمُؤَجَّلِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ بِالْحَالِّ فَقَوْلُ رَاهِنٍ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ، فَكَذَا فِي صِفَتِهِ. وَإِنْ قَالَ رَهَنْتُكَ مَا بِيَدِكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ بِعْتَنِيهِ بِهَا، أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِهَا، أَوْ قَالَ رَهَنْتَنِيهِ بِهَا حَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَاهِنٌ رَهْنَهُ وَبَقِيَ الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ (وَ) إنْ قَالَ مَنْ بِيَدِهِ رَهْنٌ لِرَبِّهِ (أَرْسَلْتُ زَيْدًا لِيَرْهَنهُ بِعِشْرِينَ وَقَبَضَهَا) زَيْدٌ (وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ زَيْدٌ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْعِشْرِينَ وَأَنَّهُ سَلَّمَهَا لِرَبِّ الرَّهْنِ (قُبِلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ) الَّذِي أَرْسَلَ زَيْدًا بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ زَيْدًا لِيَرْهَنَهُ إلَّا (بِعَشَرَةٍ) وَلَمْ يَقْبِضْ سِوَاهَا فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَيَغْرَمُهَا الرَّسُولُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ صَدَّقَ زَيْدٌ رَاهِنًا حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَا رَهَنَهُ إلَّا بِعَشَرَةٍ وَلَا قَبَضَ إلَّا عَشَرَةً، وَلَا يَمِينَ عَلَى رَاهِنٍ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا حَلَفَ زَيْدٌ بَرِئَا مَعًا وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْعَشَرَةَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ عُدِمَ الرَّسُولُ حَلَفَ رَاهِنٌ أَنَّهُ مَا أَذِنَ فِي رَهْنِهِ إلَّا بِعَشَرَةٍ وَلَا قَبَضَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِهَا (وَإِنْ أَقَرَّ) رَاهِنٌ (بَعْدَ لُزُومِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (بِوَطْءِ) مَرْهُونَةٍ قَبْلَ رَهْنِهَا حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَتْ حَامِلًا قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ (أَوْ) أَقَرَّ (أَنَّ الرَّاهِنَ جَنَى) قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ وَهُوَ مَرْهُونٌ (أَوْ) أَنَّهُ كَانَ (بَاعَهُ) قَبْلَ رَهْنِهِ (أَوْ) أَنَّهُ كَانَ (غَصَبَهُ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ و(لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ (عَلَى مُرْتَهِنٍ أَنْكَرَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، ثُمَّ إنْ أَنْكَرَ وَلِيٌّ الْجِنَايَةَ أَيْضًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ رَاهِنٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ لَزِمَهُ أَرْشُهَا إنْ كَانَ مُوسِرًا لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجَانِي بِرَهْنِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْجَانِي إذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ، وَكَذَا يَأْخُذُ مُشْتَرٍ وَمَغْصُوبٌ مِنْهُ الرَّهْنَ إذَا انْفَكَّ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ، وَعَلَى مُرْتَهِنٍ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ الرَّهْنِ وَسَلَّمَ لِمُقَرٍّ لَهُ بِهِ (وَلِمُرْتَهِنٍ رُكُوبُ) حَيَوَانٍ (مَرْهُونٍ) كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ (وَ) لَهُ (حَلْبُهُ وَاسْتِرْضَاعُ أَمَةٍ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ) نَصًّا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ}. وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ {لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ}؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّمَاءُ لِلرَّاهِنِ، لَكِنَّ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةَ صَرْفِ ذَلِكَ لِنَفَقَةِ الرَّهْنِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ وَمَحِلُّهُ إنْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَإِلَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ (وَلَا يُنْهِكُهُ) أَيْ الْمَرْكُوبَ وَالْمَحْلُوبِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ (بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ) يَتَنَازَعُهُ رُكُوبٌ وَحَلْبٌ وَاسْتِرْضَاعٌ، أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ فِعْلُهَا بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ (وَلَوْ) كَانَ (حَاضِرًا وَلَمْ يَمْتَنِعْ) مِنْ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مَرْكُوبٍ وَلَا مَحْلُوبٍ كَعَبْدٍ وَثَوْرٍ لَمْ يَجُزْ لِمُرْتَهِنٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ نَصًّا، لِاقْتِضَاءِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ، تَرَكْنَاهُ فِي الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ لِلْخَبَرِ (وَيَبِيعُ) مُرْتَهِنٌ (فَضْلَ لَبَنٍ) مَرْهُونٍ (بِإِذْنِ) رَاهِنٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَإِلَّا) يَأْذَنْ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ (فَحَاكِمٌ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَيَرْجِعُ) مُرْتَهِنٌ (بِفَضْلِ نَفَقَتِهِ) عَنْ رُكُوبٍ وَحَلْبٍ وَاسْتِرْضَاعٍ (عَلَى رَاهِنٍ) بِنِيَّةِ رُجُوعٍ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي غَيْرِهَا (وَ) لِمُرْتَهِنٍ (أَنْ يَنْتَفِعَ) بِهِ أَيْ بِالرَّهْنِ (بِإِذْنِ رَاهِنٍ مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِعِوَضٍ (وَلَوْ بِمُحَابَاةٍ) لِطِيبِ نَفْسِ رَبِّهِ بِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ قَرْضًا) فَيَحْرُمُ لِجَرِّهِ النَّفْعَ (وَيَصِيرُ) الرَّهْنُ الْمَأْذُونُ فِي اسْتِعْمَالِهِ مَجَّانًا (مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ) بِهِ لِصَيْرُورَتِهِ عَارِيَّةً وَظَاهِرُهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ (وَإِنْ أَنْفَقَ) مُرْتَهِنٌ (عَلَيْهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لِيَرْجِعَ) عَلَى رَاهِنٍ (بِلَا إذْنِ رَاهِنٍ) مُتَعَلِّقٌ ب أَنْفَقَ (وَأَمْكَنَ) اسْتِئْذَانُهُ (فَ) الْمُنْفِقُ (مُتَبَرِّعٌ) حُكْمًا لِتَصَدُّقِهِ بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِعِوَضِهِ كَالصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَلِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ) اسْتِئْذَانُهُ لِتَوَارِيهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهَا وَأَنْفَقَ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ (رَجَعَ) أَيْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى رَاهِنٍ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ) عَلَى رَهْنٍ (أَوْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) لَمْ (يُشْهِدْ) أَنَّهُ يُنْفِقُ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْإِنْفَاقِ لِحِرَاسَةِ حَقِّهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، (وَ) حَيَوَانٌ (مُعَارٌ وَمُؤَجَّرٌ وَمُودَعٌ) وَمُشْتَرَكٌ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُسْتَعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَوَدِيعٌ وَشَرِيكٌ (كَرَهْنٍ) فِيمَا سِيقَ تَفْصِيلُهُ وَإِنْ مَاتَ قِنٌّ فَكَفَّنَهُ فَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَإِنْ عَمَّرَ) مُرْتَهِنٌ (الرَّهْنَ) كَدَارٍ انْهَدَمَتْ (رَجَعَ) مُعَمِّرٌ (بِآلَتِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ و(لَا) يَرْجِعُ (بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَالِيَّةَ الدَّارِ) كَثَمَنِ مَاءٍ وَرَمَادٍ وَطِينٍ وَنَوْرَةٍ وَجِصٍّ وَأُجْرَةِ مُعَمِّرِينَ (إلَّا بِإِذْنِ) مَالِكِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ عِمَارَتِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ لِحُرْمَتِهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ بِدُونِهَا.
وَإِنْ جَنَى قِنُّ رَهْنٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قَوَدٌ وَاخْتِيرَ الْمَالُ (تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ) وَقُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى حَقِّ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْجِنَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ، فَقُدِّمَ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدِهِ، وَالِاخْتِصَاصُ حَقُّ الْجِنَايَةِ بِالْعَيْنِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهَا. وَإِذَا اسْتَغْرَقَهُ) أَيْ الرَّهْنَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ (خُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (بِالْأَقَلِّ مِنْهُ) أَيْ الْأَرْشِ (وَمِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَكْثَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عِوَضُ الْجَانِي، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، مَا لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِإِذْنِ سَيِّدٍ أَوْ أَمْرِهِ مَعَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ؛ أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْجَانِي السَّيِّدُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا (وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ) لِقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَقَدْ زَالَ (أَوْ بَيْعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (فِي الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْلِيمِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لِوَلِيِّهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الرَّهْنَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (وَيَبْطُلُ) الرَّهْنُ (فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَهُ فِي الْجِنَايَةِ وَفِيمَا إذَا سَلَّمَهُ فِيهَا لِاسْتِقْرَارِ كَوْنِهِ عِوَضًا عَنْهَا بِذَلِكَ، فَيُبْطِلُ كَوْنُهُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ كَمَا لَوْ تَلِفَ أَوْ بَانَ مُسْتَحَقًّا. (وَإِلَّا) يَسْتَغْرِقْ أَرْشُ جِنَايَةٍ رَهْنًا (بِيعَ مِنْهُ) أَيْ الرَّهْنِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ الْأَرْش؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِلضَّرُورَةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (وَبَاقِيه رَهْنٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَإِذَا تَعَذَّرَ) بَيْعُ بَعْضِهِ (فَكُلُّهُ) يُبَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَبَاقِي ثَمَنِهِ، وَكَذَا إنْ نَقَصَ بِتَشْقِيصِ فَيُبَاعُ كُلُّهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ (وَإِنْ فَدَاهُ) أَيْ الرَّهْنَ (مُرْتَهِنٌ لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى رَاهِنٍ (إلَّا إنْ نَوَى) الْمُرْتَهِنُ الرُّجُوعَ (وَأَذِنَ) لَهُ (رَاهِنٌ) فِي فِدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ رُجُوعًا فَمُتَبَرِّعٌ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فَمُتَآمِرٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِدَاؤُهُ (وَلَمْ يَصِحَّ شَرْطُ) مُرْتَهِنٍ (كَوْنُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (رَهْنًا بِفِدَائِهِ مَعَ دَيْنِهِ الْأَوَّلِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ زِيَادَةُ دَيْنِهِ. (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ) أَيْ الرَّهْنِ (فَالْخَصْمُ) فِي الطَّلَبِ بِمَا تُوجِبُهُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ (سَيِّدُهُ) كَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمُرْتَهِنٍ فِيهِ إلَّا حَقُّ الْوَثِيقَةِ وَإِذَا أَخَّرَ) سَيِّدُهُ (الطَّلَبَ لَغَيْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَ) الْخَصْمُ (الْمُرْتَهِنُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُ الطَّلَبَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ سَيِّدُهُ (وَلِسَيِّدٍ أَنْ) يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ، وَيَأْتِي وَلَهُ أَنْ (يَقْتَصَّ) مِنْ جَانٍ عَلَيْهِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (إنْ أَذِنَ) لَهُ فِيهِ (مُرْتَهِنٌ أَوْ أَعْطَاهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ رَاهِنٌ (مَا) أَيْ شَيْئًا (يَكُونُ رَهْنًا) لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ مِنْ التَّوَثُّقِ بِقِيمَتِهِ بِلَا إذْنِهِ. وَإِذَا اقْتَصَّ) السَّيِّدُ (بِدُونِهِمَا) أَيْ الْإِذْنِ وَإِعْطَاءِ مَا يَكُونُ رَهْنًا (فِي نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا) مِنْ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا تُجْعَلُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا اُسْتُحِقَّ بِسَبَبِ إتْلَافِ الرَّهْنِ فَلَزِمَهُ غُرْمُهُ كَمَا لَوْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا (أَوْ عَفَا) السَّيِّدُ (عَلَى مَالٍ) عَنْ الْجِنَايَةِ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ ( فَعَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ (قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تُجْعَلُ) رَهْنًا (مَكَانَهُ) فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَالْجَانِي تِسْعِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تِسْعُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَفُتْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا بِهِ (وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ (قِيمَةَ الرَّهْنِ أَوْ أَرْشَهُ) الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ يُجْعَلُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُمَا بَدَلُ مَا فَاتَ عَلَى مُرْتَهِنٍ وَالْمُفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ. قَالَهُ فِي شَرْحِهِ (وَكَذَا لَوْ جَنَى) رَهْنٌ (عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ هُوَ) أَيْ سَيِّدُهُ مِنْهُ (أَوْ) اقْتَصَّ مِنْهُ (وَارِثُهُ) فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَوْ أَرْشُهُ تُجْعَلُ رَهْنًا إنْ لَمْ يَأْذَنْ مُرْتَهِنٌ (وَإِنْ عَفَا) السَّيِّدُ (عَنْ الْمَالِ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ (صَحَّ) عَفْوُهُ فِي حَقِّهِ لِمِلْكِهِ إيَّاهُ و(لَا) يَصِحُّ (فِي حَقِّ مُرْتَهِنٍ)؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ جَانٍ وَيَكُونُ رَهْنًا وَإِذَا انْفَكَّ) الرَّهْنُ ب (أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ رَدَّ) الْمُرْتَهِنُ (مَا أَخَذَ مِنْ جَانٍ) إلَيْهِ لِسُقُوطِ التَّعَلُّقِ بِهِ (وَإِنْ اسْتَوْفَى) الدَّيْنَ (مِنْ الْأَرْشِ رَجَعَ جَانٍ عَلَى رَاهِنٍ) لِذَهَابِ مَالِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهُ فَرَهَنَهُ فَبِيعَ فِي الدَّيْنِ (وَإِنْ وَطِئَ مُرْتَهِنٌ) أَمَةً (مَرْهُونَةً وَلَا شُبْهَةَ) لَهُ فِي وَطْئِهَا (حُدَّ) لِتَحْرِيمِهِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وَلَيْسَتْ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ وَكَالْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ مِلْكِهِ نَفْعُهَا، فَهُنَا أَوْلَى (وَرَقَّ وَلَدُهُ) إنْ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأُمِّهِ وَهُوَ وَلَدُ زِنًا، وَسَوَاءٌ أَذِنَ رَاهِنٌ أَوْ لَا (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ (الْمَهْرُ) إنْ لَمْ يَأْذَنْهُ رَاهِنٌ بِوَطْئِهَا، لَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ أَوْ طَاوَعَتْ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا أَوْ إذْنِهَا كَإِذْنِهَا فِي قَطْعِ يَدِهَا وَكَأَرْشِ بَكَارَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا. (وَإِنْ أَذِنَ رَاهِنٌ) مُرْتَهِنًا فِي وَطْئِهَا (فَلَا مَهْرَ) لِإِذْنِ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْحُرَّةِ الْمُطَاوِعَةِ (وَكَذَا لَا حَدَّ) بِوَطْءِ مُرْتَهِنٍ مَرْهُونَةً (إنْ ادَّعَى) مُرْتَهِنٌ (جَهْلَ تَحْرِيمِهِ) أَيْ الْوَطْءِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (يَجْهَلُهُ) أَيْ التَّحْرِيمَ لِكَوْنِهِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ سَوَاءٌ أَذِنَهُ رَاهِنٌ فِيهِ أَوْ لَا (وَوَلَدُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ مِنْ وَطْءٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ (حُرٌّ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ (وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مُرْتَهِنٍ أَذِنَ لَهُ رَاهِنٌ فِي وَطْءٍ، لِحُدُوثِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَاهِنٌ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ.
|